الجمعة، 8 يناير 2021

يومٌ لم نعشه بعد...!


تدوين: يحيى السلماني

لم يبق يومٌ من أيام السنة إلا وقد وُسم بعنوان أو رُبما بعناوين برّاقة وشعارات رنّانة، والمُناسبات التي تُلامس حياة الإنسان وموارد بيئاتنا الطبيعية تحظى بنصيبها "المدرار" من هذه العناوين وتلك الشعارات، فهناك يوم للبيئة (وطني وإقليمي ودولي)، ويوم و(ساعه) لكوكب الأرض، ويوم للكويكبات، ويوم لطبقة الاوزون، ويوم لنقاوة الهواء من أجل سماء زرقاء، ويوم للأرصاد الجوّية، ويوم للجبال، ويوم للتُربة، ويوم للتصحّر و(الأراضي الجافة)، واخر للمياه و(الأراضي الرطبة)، ويوم للتّنوع الأحيائي، ويوم للحياة الفطريّة، ويوم للموائل، ويوم للغابات، ويوم للشجرة، ويوم لسلامة الأغذية، ويوم للبُقول، ويوم للشاي، ويوم للأحياء البريّة، ويوم للطيور المُهاجرة، ويوم للنحل، وهناك يوم للمُحيطات، ويوم عالمي لمُكافحة الصيد غير القانوني، ويوم لسمك التونة، ويوم لضحايا الرقيق، ويوم عالمي للاتجار بالبشر، ويوم دولي لمنع استخدام البيئة في الحروب والصراعات، ومن يتخيّل بأن هناك يوم دولي خاص لدورات المياه (المرحاض) وأكثر من نصف سكان العالم "يفتقرون" إلى مرافق صحيّة امنة، والقائمة طويلة، ليس لها حدّ ولا عدّ، ولا يمكن حصرها في سطور مُدوّنة، والمُحصّلة: "نسمع جعجعة ولا نرى طحينا".  

ولهذا، يحقّ لنا هُنا، كما يحقّ لغيرنا، أن نتسائل: إلى أيّ مدى يُسهم هذا الكمّ الهائل من المُناسبات "المُتزاحمة" في حلحلة أزماتنا؟ وما حجم الدور الذي تلعبهُ شعاراتها "المُستنسخة" العام بعد العام في التوعية بلزوم تحسين أوضاع موارد موائلنا الطبيعية؟ تلك المُناسبات مُجتمعة، بأيّامها ولياليها، تسعى مُؤسسّاتنا الوطنية ومُنظّماتنا الإقليمية والدولية منها إلى الدفع بمعدّلات الوعي الصحي والبيئي والنهوض بمستويات الوضعين الإنساني والاجتماعي، والاحتفاء بهذه المُناسبات يُعدّ بمثابة وقفات تثقيفية "ظنّت" هذه المُؤسسّات وما تزال "تظنّ" أنها قد تلعب أدواراً "أسطوريّة" في تعبئة مختلف شرائح المجتمع، كما "تكهّنت" تلك المُنظّمات وما تزال "تتكهّن" أن لديها من الإمكانيات ما يُمكنُها من إقناع الدوائر القيادية لمُعالجة الإشكاليات الوطنيّة وتطبيب الأزمات الدولية، وإلقاء حزم من الضوء على ما تُقدّمه للإنسانية والبيئة من إنجازات في هذا المضمار، ألا أن الظنون تبدو قد "خابت" والتكهّنات قد "أخفقت"، وبالتالي، غدى الاحتفاء بهذه المُناسبات مُجرّد مساحات مفتوحة "للبهرجة" الإعلامية، كما باتت مخارج مُستحدثة ومشروعه ل"إضاعة" الوقت و"إرهاق" الجُهد و"إهدار" للمال العام، وهي جميعها أمورٌ تُثير الاستغراب والتعجّب والاستنكار...!      

الحديث عن تفاصيل الأوضاع الإنسانية والصحية والبيئية قد يطول، فالبشر، وفقاً لمؤشّرات دولية، يعيشون في بيئات صحيّة واقتصادية ومعيشية وحقوقيّة وسيكولوجية سيئة للغاية، كما أضحت استمرارية بقاء عناصر موارد الطبيعة ونقائها من ماء وهواء وأشجار وحيوانات وطيور وأسماك وسلاحف ورخويّات ومُرجان وغيرها "رهينة" لعبث الإنسان واستنزافه "السافر" لموارد بيئته، واستهتاره "العلني" بعدما تَجَاسَرَ "الدوس" على القيّم الإنسانية، واِجتَرَأَ على ضرب التشريعات البيئية ب"عرض الحائط"، ولقد حاولنا جاهدين، على مدى ما يقرب من ثلاثة عقود، استقصاء ما أمكننا استقصاءه لأوجاع هذه الأوضاع، وحرصنا على تدوين تفاصيلها بكل شفافية في مقالات تحليلية سابقة، هذه المقالات حاولت قدر الإمكان مُلامسة الجوانب الأكثر عُمقاً في الجوهرين الإنساني والبيئي، وقد تضمّن طرحنا "وصفات" منطقيّة لتجاوز طائفة من الإشكالات على مختلف المستويات، ألا أن جلّ نصائحنا ووصفاتنا كانت بكل أسى وأسف ك"صرخة في وادي، ونفخة في رماد".  

يُدرك السواد الأعظم منّا أنّ مُؤسساتنا الوطنيّة ومُنظّماتنا الإقليمية والدولية وممّن يشغلون "مناصبها" من رؤساء وحدات و"أشباه" رؤساء وحدات، وخُبراء و"أشباه" خُبراء، ومُختصّين و"أشباه" مُختصّين هُم على علم ودراية تامّة بما يُعرض على "البلاتوهات" المفتوحة وما يُحاك في "كواليس" الصالات المُغلقة، لكنّ الواقع يشي بأنّ هُناك من يتقن تقمّص دور "الساذجة البلهاء"، فكم من مُبادرات قد أُعلن عنها في مُناسبات سابقة وقد "حال عليها الحول، وتعاقبت عليها السنون"، ولم ترى النور لأسباب تبدو هي الأخرى واضحة وجلّية، ولا تحتاج إلى مزيد من التحليل والتفنيد  والتشخيص، أهم تلك الأسباب، من وجهة نظرنا، إفتقار تلك المُبادرات (أو رُبما الإجتهادات) إلى الدقّة في إعدادها، وضعف الإرادة المُخلصة في متابعتها، وفتور العزيمة الصادقة أثناء تنفيذها.

إذن ما هو دليل محبّتنا لبيئات أوطاننا عندما "توهن" الإرادة و"تتثاقل" العزيمة؟ وأيّ بُرهان يُدلّل على صدق ما تتفوّه به أفمام أولئك ممّن تُوكل إليهم مهامّ تحسين هذا القطاع الحيوي؟ يبدو لنا بأنّ ممّن "يتصنّعون" التعاطُف مع الإنسان، و"يتشدّقون" بحبّ الطبيعة، يُراوحون منذ زمن أماكنهم بين صدر البيت الشعري وعجزه: "وكلٌ يدّعي وصلاً بليلى، وليلى لا تقرّ لهم بذاكا"، ويُروي لنا المثل الذائع: "فاقد الشيء لا يُعطيه" تفسيراً واضحاً وصريحاً لبيت الشعر المذكور.

 بالرغم من تمدّد سنوات العوز والشتات، وتمطّط مُستويات "شظف" حياة البشرية، وتنامي وتيرة "نكدها"، وتعاظم تدهور وضع الموارد الطبيعية، وتضاؤل عناصرها، وغزارة "ضرائها" في برّها وبحرها، ألا أنّنا، ونحن نبتغي اليوم التعايش مع أجواء الاحتفاء بيوم البيئة العُماني الذي كان لنا فيه نصيبٌ من شرف الإعداد والمُشاركة في تدشين أولى نسخاته "الكلاسيكية" في الثامن من يناير من عام 1997م، سنلزم أنفسنا "التزيّن" بفسحة من الأمل، مُتطلّعين إلى أن تُؤطّر نصوص البيانات الصحفية "المرشوقة" وترتقي مضامين الشعارات "المُنمّقة" هذه المرّة إلى مُستوى "الواقع المُعاش" الذي يُلامس قضايانا المُعاصرة لنتباهى فخورين بمُخرجاته أمام القاصي والداني، وبهذا التطّلع، سنظلّ مُستبشرين بمستقبل إنساني وبيئي أفضل، أكثر إشراقاً وأندى ازدهاراً من ذي قبل، مُتيمّنين بمقوله أديب المهجر، جبران خليل جبران، الذي غرس في ذواتنا التفائل حين سطّر ذات يوم قائلاً: "إنّ أجمل الأيام يومٌ لم نعشه بعد، وأجمل البحار بحرٌ لم ترتده أشرعتنا بعد"، اللهمّ إنّا نعوذُ بك أن نقول زورًا، أو نغشى فجورًا، وكُل عام وموائلنا البشريّة والطبيعية بألف خير...!.   

خور الملح موطن الذهب الأبيض

  تدوين: يحيى السلماني مع بداية فصل الصيف التي تمتد من مايو حتى شهر أكتوبر تنشط وتيرة انتاج الملح بالطريقة التقليدية في ولاية قريات. وبنهاية...