الجمعة، 9 أبريل 2021

النفايات الالكترونية: مخاطر تبحث عن حلول

تدوين: يحيى السلماني

اليوم، لا يُمكننا أن نتخيّل خلوّ أيّ بيت أو مبنى مؤسسّة من جهاز إلكتروني، كما لا يمكننا أن ننجز الكثير من مُعاملاتنا (شخصية ورسميّة) خارج نطاق المُجتمع الرقمي، فبيوتنا ومؤسساتنا تكتنز بأجهزة الحاسوب الالي، وأنامل أيادينا تنشغل أيّما انشغال بأزرارها، وعيوننا تُحدّق لساعات طوال مُتسمّرة أمام شاشات هواتفنا المحمولة (الموبايلات)، وأذهاننا مهووسةٌ بأجهزة الترفيه الالكترونية بمختلف أنواعها وماركاتها، وإن كان أمرٌ كهذا لا يمكن تخيّله قبيل عقدين من الزمن فقط، فقد أصبح اليوم واقعاً نعيشه ونتعايش مع ضروراته وتطوراته ومُتغيراته المُتسارعة، شئنا ذلك أن أبينا.   

إذن، لا جدال في أن الطلب على استخدام الأجهزة الإلكترونية يتزايد بوتيرة سريعة جداً، وهذه الزيادة هي بدون شك انعكاس مُباشر لمتطلبات الحياة العصريّة في مختلف المجالات: الوظيفية والإجتماعية والتعليمية والتسويقية والصحية والترفيهية وغيرها، ألا أن هذا التهافت على هذه الأجهزة التي أصبحت جزء هام من حياتنا اليومية قد أغفلنا عن البحث في اثارها الجانبية على صحتنا، كما أن هذا التهافت شغلنا عن البحث في مدى أثرها على سلامة عناصر البيئة الطبيعية المحيطة بنا.

تُشير الدراسات البيئية إلى أن هوس استخدام الاجهزة الالكترونية لساعات طويله قد تصل إلى ما لا يقلُ عن ثماني ساعات في اليوم، واستخدام الإنسان المُفرط لهذه الأجهزة يُسهم في زيادة ساعات الأرق وقلّة النوم والشعور بالتوتر، وضعف القدرات الإدراكيّة والدماغيّة. وتُشير تقديرات شركة (فيرجن موبايل)، إلى أنّ أربعة ملايين بريطاني يُعانون من الإلتهابات وضغف حاسّة السمع، بسبب استماعهم المتواصل إلى الموسيقى بصوت مرتفع.

ووفقًاً لدراسة حديثة أجرتها جامعة كامبردج، خلصت نتائجها إلى أن عشرات الالاف من الوفيّات في أوروبا كانت بسبب داء السمنة، وقلة النشاط والحركة بسبب الإدمان على الأجهزة الإلكترونية. وتشير الدراسات إلى إنّ الاستخدام المطوّل للشاشات، يؤدي إلى الإصابة بـ«متلازمة رؤية الحاسوب»، مع أعراض تشمل إجهاد العين، والرؤية المزدوجة وقصر النظر المؤقت، هذا ناهيك عن ارتفاع مستويات العنف عند الأطفال وتناقص حدّة الانتباه.

على المستوى البيئي، أغلب النفايات الإلكترونية إن لم يكن جميعها تحتوي على مركبات في غاية السميّة، فالتقارير العلمية تشير إلأى أنها تحتوي على 60 عنصرًا كيميائيًا مثل الرصاص والزئبق والزرنيخ والكادميوم والبريليوم، كما تحتوي عل كميات من المعادن مثل النحاس والقصدير والفضة والذهب والبلاديوم، وجميعها تتسبب بالضرر الشديد بخصائص الهواء والمياه والتربة والنبات.   

التقرير الصادر عن منظمة الأمم المتحدة يشير إلى أن كمّية النفايات الإلكترونية والكهربائية التي ينتجها البشر سنوياً تبلغ نحو 50 مليون طن، أي نحو تسعة أضعاف وزن الهرم الأكبر في الجيزة. وقد قفز إنتاج الشخص من النفايات الإلكترونية سنوياً من 5.8 كيلوغرام في 2014 إلى 6.1 كيلوغرامات في 2016. ووفقاً لمعدلات الزيادة السنوية الحالية، يتوقع تقرير الأمم المتحدة أن تصل كمية النفايات الإلكترونية إلى 120 مليون طن سنة 2050. وتُسجّل الدول الغنية والمتقدمة أعلى نسب توليد للنفايات الإلكترونية، حيث يتجاوز إنتاج الفرد فيها 20 كيلوغراماً سنوياً. وتذهب غالبية هذه النفايات إلى مواقع التخلص العشوائي، وتتسرب إلى الطبيعة، وإن ما يتم تدويره وإعادة إستخدامه من هذه الأجهزة لا يزيد على 20 في المائة من مجمل الكمية المُنتجة.

أما في البلدان العربية، فتبلغ كمّية النفايات الإلكترونية المولدة سنوياً ثلاثة ملايين طن، ويصل متوسط ما ينتجه المواطن العربي من النفايات الإلكترونية سنوياً إلى 6.8 كيلوغرام، حيث ترتفع النسب في الدول الخليجية، إلى جانب لبنان والجزائر، إلى أكثر من 11 كيلوغراماً في السنة، وهي تقفز في السعودية والكويت والبحرين وسلطنة عُمان إلى أكثر من 15 كيلوغراماً.

على أرض الواقع، تُطبّق أغلب الدول الأوروبية والولايات المتحدة وكندا واليابان برامج لجمع النفايات الإلكترونية وتدويرها، حيث تزيد نسبة الاسترداد في الدول الإسكندنافية على 70 في المائة من كمية النفايات الإلكترونية، وتصل النسبة إلى 22 في المائة في الولايات المتحدة. وتعد سويسرا مثالاً جيداً على كيفية التعامل مع مشكلة النفايات الإلكترونية؛ فرغم ضخامة كمية النفايات الإلكترونية التي تولدها، حيث وصل وزنها إلى 223 ألف طن في سنة 2016 بمعدل 22.2 كيلوغرام للشخص الواحد، فإنها استردت 134 ألف طن من هذه النفايات، أي أن نسبة الاسترداد قاربت 72 في المائة. أما في فئة النفايات الإلكترونية الرقمية تحديداً، كالهواتف الجوالة، فقد وصل معدل التدوير إلى 95 في المائة.

اخر المُحاولات الناجحة لسياسات إعادة التدوير للمخلفات الإلكترونية تأتينا من أستراليا، حيث تمكّن مجموعة من الاستراليين من تحويل المواد الكيميائية التي تحتويها البطاريات المستعملة إلى أسمدة خاصة للمحاصيل والنباتات.

أما عربياً، فلا توجد لحدّ الساعة، تشريعات صارمة خاصة بإدارة النفايات الإلكترونية، وإنما تندرج فقط في إطار القوانين الوطنيّة الخاصة بالنظافة العامّة وإدارة النفايات الصلبة، ألا أنه توجد مبادرات عربية محدودة لجمع وتدوير النفايات الإلكترونية تتبناها في الغالب مبادرات الجمعيات المختصة بقطاع البيئة،  من بين هذه المبادرات على سبيل المثال لا الحصر: إنشاء «مركز التدوير» في مدينة دبي عام 2019 ، الذي يتمكن المختصون فيه من إعادة تدوير ما يقرب من 100 ألف طن سنوياً من النفايات الكهربائية والإلكترونية، وهي بادرة عربية تستحق التقدير والاستفادة منها كتجربة رائدة في هذا المجال.  

ما نود الإشارة إليه هنا هو أن الوضع الذي تعيشه السلطنة لا يقل عن مثيلاتها من دول العالم، خصوصاً وأن السلطنة تتيجه بشكل تدريجي نحو ما يطلق عليه ب"الحكومة الإلكترونية"، وهو ما سيتطلب من المجتمع مستقبلاً، مؤسسات وأفراد، أن يعتمدوا بشكل أساسي على الإجهزة الإلكترونية في تخليص مُختلف مُعاملاتهم اليومية في مُختلف المجالات.

في ظل هذا التوجّه، أليس من المُجدي تدارس بعض من الحلول التي تتبنّاها بعض الدول في مختلف أنحاء العالم؟ لماذا لا يتم البدء في تدشين مشاريع استثمارية للاستفادة من بعض مكونات المواد الإلكترونية التي تتميّز بقيمة اقتصادية. فعلى سبيل المثال: يُمكن إعادة استخدام المعادن الثمينة مثل الذهب والفضة التي تدخل في مكّونات أجهزة الهواتف المحمولة. أليس من المُجدي أن نلحق بركب الدول التي تعمل منذ سنوات على الاستفادة من إعادة تدوير المواد البلاستيكية والزجاج والسيراميك المُستخدم في صناعة الاجهزة الالكترونية؟

 هُنا في عُمان، نرى أنّنا بحاجة ماسّة إلى دعم البحوث العلميّة والبيئية المُتصلة بهذا الشأن، ولا بدّ من تقديم الحوافز والتشجيع على البدء في تدشين مشاريع مُتخصصة لجمع وإدارة النفايات الإلكترونية، ونرى بأنه قد ان الأوان لإعداد برامج توعوية مُكثّفة للتخلص الامن من مثل هذه النفايات السامّة، والإسراع في وتيرة التثقيف الجادّ باثارها السلبية على صحة الإنسان والبيئة. وهو ما سيفتح في ذات الوقت فُرصاً جديدة للابتكار والاستفادة من عناصر هذه المخلفات، ويُسهم مستقبلاً في تنشيط "اقتصاد النفايات" بالسلطنة.   

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خور الملح موطن الذهب الأبيض

  تدوين: يحيى السلماني مع بداية فصل الصيف التي تمتد من مايو حتى شهر أكتوبر تنشط وتيرة انتاج الملح بالطريقة التقليدية في ولاية قريات. وبنهاية...