تدوين:
يحيى السلماني
لا
ندري من أين جيئ بفكرة تدشين مشروع سياحة "التجديف" في محمية القرم
الطبيعية؟ ومن الذي أيّدها؟ كما لا نعلم من هو "الرابح" الأول من فكرة
الإستثمار السياحي لهذا النشاط في هذا الموقع بالذّات؟
ما
نعلمه هو أن هذه المحميّة تُصنّف من أوائل المحميات التي تم الإعلان عنها بالسلطنة،
ومنذ إنشائها في عام 1975م وهي تواجه الإنتهاك بعد الاخر، ولم تتوقّف هذه
الانتهاكات عند حدود التمدّد الحضري "العشوائي"،
فالوحدات السكنية والتجاريّة، والشوارع وأرصفة الخراسانات الإسمنتية والإضاءة المُزعجة تُحيط
بحدود المحمية من مختلف زواياها، بل أتي دور "العماله السائبة" التي "تسرح
وتمرح" لتستبيح دونما "حسيب أو رقيب" الموارد البحرية "النفيسة"
للمحميّة بدون تراخيص رسميّة، ثُم يكتمل مشهد الانتهاكات لهذه المحميّة عندما تتوالى علينا
مشاهد دخول وخروج "مُمارسيّ رياضة المشي" في إحرامات المحمية منذ ساعات شروق الصباح الأولى
حتى أوقات الأصيل، ولهذا يأتي منح تصريح رسمي لممارسة نشاط التجديف في مياه
المحميّة الضحلة ل"يزيد الطين بلّه"، ويضرب بكل الالتزامات والمبادئ
البيئية عرض الحائط، والأدهى من كل ذلك والأمّر أن تتباهى صحافتنا المحلية ومنابر
التواصل الاجتماعي بمثل هذه المشاريع التي لم تُدرس بتأن، فضلاً عن انتقادها، وتسليط الضوء علي اثارها البيئية، ومُحاولة
إيصال الرسالة الصائبة لذوي الاختصاص.
لا
نتردّد هُنا عن التذكير بأن محميّة القرم الطبيعية تقع على مساحة إجمالية تبلغ 1045,775 م2 (مليون وخمسة
واربعين ألف وسبعمائة وخمسة وسبعين م2)، وتتجلّى أولى الأهداف من إنشائها حماية غابات أشجار
القرم التي تتلعب الدور الأساسي لتوفير الموائل الطبيعية المُناسبة لما يقرب من 27 نوعاً من القشريات، و48 نوعاً من الرخويات،
و40 نوعاً من الأسماك، هذا بالإضافة إلى أنواع الروبيان، وسرطانان البحر، والمحاريّات،
وهي، أي المحميّة، تأوي لما يزيد عن 194 نوعاً من الطيور المستوطنة والمُهاجرة،
خصوصاً تلك القادمة من "أفريقيا وأوروبا"، وحسب البيانات الصادرة عن
هيئة البيئة، ينمو في هذه المحميّة "نوع واحد فقط من أشجار القرم (المانجروف) يطلق عليه "أفيسينا مارينا" (Avicennia marina)، وهو النوع الوحيد الموجود في السلطنة الذي يمكنه التأقلم مع الوضع
المُناخي المحلي"، وما يميّز هذه المحميّة، حسب الدراسات الجيولوجية، بأنها
تحتوي على منطقة أثرية تّدلّل على قدم ممارسة نشاط الصيد في هذه المنطقة قبل أكثر من
4,000 سنة، ولذالك، لم يكُن مُستغرباً بأن يتم إختيارها وإعلانها في عام 2012م
"كأول موقع عُماني ذات أهمية دولية في مواقع رامسار".
نرى
كما يوافقنا الرأي اخرون، أن هذا المشروع السياحي لا يتوافق البتة مع مبادئ التشريعات
الخاصّة التي يتضمنها "دليل المحميّات الطبيعية"، وهذا "التواطئ والتهاون"
لا يُليق بنا إذا ما أدركنا بأن السلطنة قد صادقت على اتفاقية التنوع الأحيائي
(البيولوجي) منذ عام 1994م، ولذلك، فمثل هكذا مشاريع أو أنشطة سيؤدي حتماً إلى
فقدان المحميّة لعناصرها الأحيائية الفريدة بالتدريج، وهي ستؤثّر مُستقبلاً في نظرة
المنظمات البيئية الإقليمية والدولية علينا. وإذا كان هذا هو وضع محميّة القرم التي لا تبعد سوى بضعة كيلومترات عن مقرّ "هيئة البيئة"، فما هو حال مواقع المحميّات الطبيعية التي تقع على بعد عشرات بل مئات الكيلومترات منها؟.
إذن
لا بدّ من النظر بجدّية في هذا الموضوع بما يتوافق مع أهداف خطط إدارة المحميّة من
خلال الالتزام بتنظيم الأنشطة التنموية والترفيهية والسياحية في المناطق المحميّة
ليس في منطقة القرم فحسب بل في مختلف محميات السلطنة التي تتناثر في كل شبر من برّ وبحر
بلادنا الغالية علينا جميعاً بما يتلائم مع التشريعات البيئية (وطنية ودولية)، كما
أصبح الأمر ضرورياً لتشديد دوريّات الرقابة على مداخل ومخارج المحميّة التي تبدو مفتوحة
دون حراسة (خصوصاً الجهة المُقابلة للبحر)، وبدلاً من العبث بالموارد الطبيعية والجيولوجية لهذا الموقع الفريد، نتطلّع أن تُستثمر معطيات هذا الموقع خلال
المرحلة المُقبلة في مجالات البحث العلمي (البيئي) لتُسهم المحميّة في تعزيز مستويات
المعرفة البيئية لا حبّذا فيما يتصل بموارد البيئات البحرية بالسلطنة، هذا ما وجب الإشارة
إليه، وللمختصين والمسؤولين عن القطاع واسع النظر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق