الأحد، 13 يونيو 2021

إلى روح نمر أديب ...!

  

تدوين: يحيى السلماني

"وإن الناس جمعهم كثيرٌ، ولكن من تُسرّ به قليلُ ...!"  

في السابع عشر من شهر سبتمبر 2020م، ودّعت، مُكرهاً، صديقي ورفيق دربي وأستاذي نمر أديب الذي تتلمذت على يديه أبجديات الإعلام البيئي، وأنا أودعه، قبيل مغادرته السلطنة متوجهاً إلى مصر "أرض الكنانة" لم يكن لديّ ما أقوله، غير أني واسيته هامساً: "هكذا هي الحياة، فكل لقاء يعقبه فراق"، أخفيت عنه، متعمّداً، عيناي اللاتي كانتا تذرفان دموعهما، ولم أبيّن له بأن روح قلبي تتحرّق ألماً، طبطبت على كتفيه، بينما تعلو محيّاه مسحة ألم عميق، ثم وعدته بزيارتي له ريثما تتهيأ الظروف لي مستقبلاً، قبّلته وترددّت على حضنه الدافئ، ودعته ولم يكن لحديث وداعه إلا الصمت، ولم أتذكر وأنا أتردّد على حضنه سوى صدق الأحاسيس ونبل المشاعر، ثم أدرت ظهري مُستذكراً عشرات من القصص والحكايات والمواقف التي تختزل مسيرة ما يزيد عن 27 عاماً من الصحبة والمودّة والألفة.

عصر اليوم، صُدمت بخبر وفاته الفاجع بعد صراعه مع مرض ألمّ به منذ أشهر، يرحل نمر أديب بعدما أكمل عقده الثامن، ثمانين عاماً قضاها بين طالب للعلم وبين صحفي يتقصّى بحسّه المهني المُرهف حقيقة قضايا الإنسان والبيئة المحيطة به، مارس مهنة "البحث عن المتاعب" فأبدع في صياغة مختلف القوالب الصحفية، طاف عدد من بلدان العالم وتغرّب ساعياً إلى تطوير مهاراته ولاهثاً لتأمين لقمة عيشه، والتمكن من الإيفاء بمستلزمات الحياة اليومية.

مكوثه في السلطنة كان الأطول بين جلّ رحلاته، أستذكر مسارات سيرة حياته التي أمضاها مُنافحاً بقلمه وبثقافته الواسعة، منذ معرفتي به، لم أرى فيه غير التواضع ودماثة أخلاقه، وتمتّعه بمهارات أدب الحوار، وتحلّيه بمصداقيته وتفانيه في أداء مهامّه، وجرأته في طرحه لقضايا الإنسان والبيئة، وجدّيته في البحث، ودقته في الطرح، وبالرغم من التعب الذي "تكدّس" عليه في زحمة أيامه، كان لطيفاً في تعامله، مُحبّاً للنكتة والمزاح.

كرّس وقته للإرتقاء بمجال الصحافة البيئية بالسلطنة، فوظّف سعة اطلّاعه، وتفانى في تأهيلي وتنشئتي وتوجيهي مع بقيّة زملائي وعياً وسلوكاً ومهنيّة، وبهذا، يُعدّ رحيله خسارة كبيرة للساحة الصحفية، لكن قصاصات كتاباته، ومدوّناته الصحفية ستبقى ذاكرة خالدة في أرشيف صحافتنا البيئية، وشمعةٌ معرفيّةٌ يستنير بها كل طالب وباحث عن المعرفة. رحل نمر أديب، تلك القامة الإعلامية الإستثنائية، تاركاً معروفه وإحسانه وهويّته الصحفية هي من تتحدّث عنه، رحل عنّا تاركاً فراغاً كبيراً وفجوة واسعة في قطاع الإعلام البيئي، لن يملأها إلا ممّا يزال يتصف بأخلاقيات المهنة الصحفية والحس البيئي المرهف.

يقول الفيلسوف باسكال: "ليس هناك خيرٌ في الحياة إلا الأمل في حياة أخرى، ولا يكون المرء سعيداً إلا بقدر اقترابه من هذا الأمل"، فإذا كان الموت هو النهاية الحتمية التي لا مفرّ من شرب كأسها، فلنجعله، أعني الموت، أملٌ لحياة أخرى مليئة بالسعادة، قد تتحقق فيها بعض من امالنا وطموحاتنا التي لم تسعفنا الأقدار على تحقيقها في الدار الأولى، وإن إختلفت ردود أفعالنا حين يأتينا مثل هذا المصاب الجلّل في من نُحب لنعبّر عن ما تختلجه صدورنا من الحزن والاسى، فما علينا إلا أن نواسي أنفسنا مستنيرين بمقولة الفيلسوف والأديب الفرنسي مونتسكيو: "يجب أن لا نبكي على أصدقائنا، إنها رحمة أن نفقدهم بالموت ولا نفقدهم وهم أحياء".  

رفيق دربي:

سبعٌ وعشرون عاماً من الزمالة، مرّت السنون كومضة برق، أثناء لحظات وداعك الأولى تيقّنت أن (المحبة لا تعرف عمقها إلا ساعة الفراق)، والان وقد جاء اليوم الذي انقطعت فيه همزة الوصل بين روحك ومُحيّاك الباسم المكتنز بهجة وأمل، ها هي ذكريات سنين طويلة من الرفقة والزمالة ستبقى حتماً محفورة في الذاكرة.

مُعلمّي الباسم:

إعلم أن رحيلك يُرهق القلب بالحزن والوجع، ويُدمي الروح، رغم كل ذلك، سأتحمّل مرارة الأيام من دونك، وأعدك بأنني لن أنسى بسمة محياك، ولا همس كلماتك، ولا إسداء نصيحتك التي ما تزال تجري في دمي: "ما استحق أن يولد من عاش لنفسه"، تلك الحكمة التي واضبت على ترديدها مرات ومرات حتى حفظتها عنك عن ظهر قلب، ولن أنسى وفائك وكرم عطاياك، وسأحتفظ بكنز ورصيد معرفتك ومعارفك، وإن فرّقت بيننا صروف الدهر، سيبقى لك في صدورنا قلوب تنبضُ بك، وتحيا بذكر محاسنك، سأبقى مديناً لك بالفضل الكبير في مسيرتي المهنية، ولن أتوقف عن الكتابة لأجلك، وسأواصل حديثي عنك رغم مرارة ذكرى رحيلك.

أخي الغائب الحاضر:

ودّعتك قُبيل سفرك حابساً دموعي املاً أن نلتقي في قادم الوقت ووجنتاي تتبلّل بدموع فرح اللقاء، ألا أن الأقدار "شاءت غير مشيئتي"، فخطفت مشاغل الدنيا مني فرحة اللقاء بك من جديد، وها أنا الان أتحسّف نادماً على التأجيل لأسباب يحق لي أن أتحفّظ على وصفها دون التماس أو إذن مُسبق، الان، أفصح لك بأنه لم يبق لديّ من حيلة إلا أن أصلي وأبتهل للمولى عزّ وجلّ أن يُضمّد روحك الطاهرة فسيح جناته، وأن يُسكنك "داراً خيرٌ من دارك"، وأن يُلهم أبنائك وذويك الصبر والسلوان، أُعاهدك بدعاء لن ينقطع، ومعزّتك ستبقى نابضة ما حييت، وإنا لله وإنا إليه راجعون.  

خور الملح موطن الذهب الأبيض

  تدوين: يحيى السلماني مع بداية فصل الصيف التي تمتد من مايو حتى شهر أكتوبر تنشط وتيرة انتاج الملح بالطريقة التقليدية في ولاية قريات. وبنهاية...