الأحد، 16 أغسطس 2020

جمعية الغابات الطبيعية ... في انتظار الإشهار!

 

تدوين: يحيى السلماني

في الوقت الذي يواصل فيه مئات المتطوعين "ملحمتهم البيئية" لاستئصال نبتة "البارثنيوم" السامّة من مراعي محافظة ظفار، يدور الحديث حالياً عن الأسباب الكامنة وراء تأخّر الجهات المسؤولة عن إشهار "الجمعية العمانية للغابات الطبيعية" التي تم تأسيسها في عام 2009م بمبادرة فرديّه، أُسوة ب"الجمعية العُمانية لمزارعي الرمان بالجبل الأخضر" التي تم إشهارها عام 2014م والتي نجحت في تذليل الكثير من المعوّقات والمشاكل التي تعترض مزارعي أشجار الرمان،  وتتبنى أحدث التكنولوجيات في مكافحة الافات الزراعية التي تضرّ بهذه الشجرة التي تُقدسّها وتتبارك بها مختلف الأديان.     

وإن طالت المُدة لأكثر من عقد من الزمان، لم يتخاذل مؤسّسي هذه الجمعية منذ إنشائها للوقوف على مُطالباتهم المتواصلة بضرورة إشهارها، وهم ما زالوا يُتابعون مشوار مشاوراتهم بهمّة عالية، وبواسطة ووساطة المسؤولين عبر القنوات الرسمية بوزارة البيئة والشؤون المناخية ووزارة التنمية الاجتماعية ومجلس الشورى، ألا أن ردود جميع هذه المؤسسات التي كان اخرها شهر مايو من العام الجاري كما درجت العادة تشي  بالانتظار، وتنصح بالتريّث حتى يأتي الوقت المُخصّص لإصدار القانون الجديد للجمعيات العُمانية الذي لم تُحدّد أبعاده الزمنية بعد.   

توالت العقود، ومرّت السنين، ومساحات المراعي في محافظة ظفار تشهد انحساراً ملحوظاً وتتقلّص بشكل متسارع، وهو ما عرّض العديد من العناصر الطبيعية إلى الانقراض، فقدرة الأشجار على التكاثر الطبيعي وتكوين البذور قد تدّنت لتزايد مُمارسات "الرعي المُبكر والجائر واقتلاع الأشجار لاستعمالها في تجارة التحطيب وتوسّع النشاط العمراني"، ففي ثمانينات القرن المنصرم بدأت حالات استحوذ المواطنين على مساحات المراعي والغابات للاستخدام السكني، وتم توزيع الأراضي ب"عشوائية" في مناطق ريف ظفار، وقد أشرنا في سابق الوقت إلى الدراسة التي تبنّتها وزارة الزراعة والثروة الحيوانية قبل سبعة عشر عاماً والتي كشفت عن "وجود 5289 من التجمعات السكانية في المناطق الرعوية"، ما أدى إلى تحويل الغابات إلى مناطق جرداء، وازدياد معدلات التبخّر، وانخفاض مستوى المياه الجوفية، وتؤكد الدراسات الميدانية  أن الوضع الحالي لغابات ظفار يُنذر بالتصحر بسبب الرعي الجائر، حيث تتزايد أعداد الإبل "بنسبة 20% سنوياً، بينما تزداد أعداد الأبقار بأكثر من 30%، إضافة إلى انتشار الآفات الحشرية، وقلة الأمطار مما يؤدي إلى نقص المياه التدريجي وجفاف وتيّبس الأشجار المحلية" .

وما يضمن التأكيد على مصداقية تلك الدراسات  ما تشير إليه بنود الاستراتيجية الوطنية لحماية البيئة بالسلطنة التي تركّز على تناقص "مساحة الغابات الطبيعية في ريف ظفار إلى خمسة وثلاثين ألف هكتار، بما يُقدّر بنحو (140) مليون شجرة، كما أن غابات الريف الظفار تتدهور بما نسبته 7% سنوياً، الأمر الذي يعني خسارة نحو 80% من مساحة الغابات التي كانت موجودة في جبال ظفار قبل 22 عاماً". هذا يعني، حسب ما صرح به الدكتور محاد بن عيسى شماس، أستاذ مُساعد في قسم الهندسة المدنية والبيئية بجامعة ظفار، وهو أحد الخبراء المختصين بشؤن البيئة بالسلطنة في مضمون دراساته المستفيضه عن الوضع النباتي في ظفار أن هذه المساحة "تقلصت حالياً إلى (10) آلاف هكتار بما يقدّر بنحو (40) مليون شجرة محلية، وهو ما يُشير إلى أن الجهات الرسمية لم تتخذ أية إجراءات تصحيحية حقيقية لحماية الغابات من الرعي الجائر وتوسع النشاط العمراني في سهول وجبال ظفار، حيث تحوّل مئات الهكتارات من مساحة المراعي والغابات الطبيعية إلى استخدامات سكنية وبنى تحتية، فالدراسات تؤكد بأنه "قد تم تقطيع عشرات الالاف من الهكتارات، ولم يتبق من الغابات المحلية حالياً سوى نسبة 20% من الأشجار التي كانت موجودة آنذاك".

وقد أوصت الدراسة التي قام بها الدكتور محاد شماس بإيجاد حلول مستدامة تتمثل في "إنشاء هيئة لسن التشريعات اللازمة لحماية وإدارة واستخدام الغابات الوطنية، والعمل على استعادتها وتنميتها وصولاً لاستدامة المناطق الغابوية، وإنشاء هيئة تسويق الماشية للتقليل من عمليات الرعي الجائر بهدف العودة لأعداد الماشية كما كانت قبل أكثر من ثلاثة عقود"، ألا أن هذه التوصيات لم تجد كالعادة اذان صاغية حتى الان.

بعد كل ذلك، يُؤكّد الدكتور محاد عيسى شماس صاحب مُبادرة تأسيس "الجمعية العمانية للغابات الطبيعية" على ضرورة "إشهار" "جمعية الغابات الطبيعية"، وقد أشار خلال حديثنا معه في أكثر من مُناسبة إلى أن الهدف الأسمى لهذه الجمعية المُحافظة على المراعي والغابات وتقييم التغييرات في الغطاء الحرجي، وتسعى الجمعية إلى إعادة مستويات الغابات الطبيعية عن طريق إقامة أحزمة خضراء وحمايتها وتنميتها للوصول إلى استدامة المظلة الشجرية، ومن هنا سيتحقق هدف الوصول إلى التوازن البيئي بواسطة المُحافظة على التوازن الدائم بين إنتاجية المراعي وأعداد الحيوانات في المرعى، كما يُناط إلى هذه الجمعية إعداد وتنفيذ برامج لنشر الوعي وتعزيزه لدى مختلف شرائح المجتمع، علاوة على إفساح المجال وتوفير الدعم لجميع المختصين لنشر الأبحاث والدراسات التي تخدم أهداف الجمعية بالتعاون مع مختلف المؤسسات ذات العلاقة.

وترتكز استراتيجية هذه الجمعية، المُرتجى "إشهارها"، على إنشاء مشاتل لاكثار النباتات المحلية، ويطمح مؤسسّوها إلى زراعة ما يقرب من ثلاثمائة مليون شجرة خلال ثلاثين سنه، بواقع 2000 شجرة للهكتار سعيا إلى العودة لمستويات الكثافة النباتية للغابات الطبيعية في سلسلة جبال ظفارالى وضعها الطبيعي التي كانت عليه عام 1980م، كما ترسم استراتيجيتها إنشاء حديقة طبيعية في محافظة ظفار تضمّ ما يقرب من 750 نوعاً نباتياً كبنك وراثي محلي وذلك لحماية النباتات والتراث المرتبط في الاستخدامات التقليدية في الطب وتشجيع السياحة المُستدامة، ودعم مشاريع التقنية البيئية مثل مشاريع الري بالتقطير زراعة اشجار خاصة من الاشجار كالتي تستخدم كمصادر للادوية مثل شجرة الثوور (مادة الصمغ العربي).

 لا نتواني في ترديد ما نقلناه في تدوينات انفة من أن هناك ما "يزيد على (1295) نوعاً من النباتات تنبت في أراضي السلطنة، منها مايقرب من (136) نوعاً أو فصيلة نباتية مُهدّدة بالانقراض بسبب توسّع النشاط الحضري وانتشار النباتات الغازية (شجرة الغاف البحري ونبتة البارثينيوم التي تنتشر في مختلف محافظات السلطنة كنموذج، لم تتمكن جهات الاختصاص من إستئصالها منذ ما يزيد عن عشرين سنه)، وحسب البيانات الصادرة عن وزارة البيئة والشؤون المناخية، فإن السلطنة تأوي ما يقرب من (546) نوعاً من الطيور (مُقيمة ومُهاجرة)، منها ما هو مُعرّض للتهدديات كالعقاب الأسفح الكبير وملك العقاب والزقزاق والكروان ذو المنقار المستقيم و النورس أبيض العين وغيرها، بسبب سوء استخدامات الأراضي الرطبة وإدخال أنواع غريبة دون الحصول على تراخيص رسمية (مثاله: طائر المينه الإعتيادية الذي ما زالت أجنحة "قضيّته" تُرفرف بين مكاتب المختصين بوزارة البيئة والشؤون المناخية وأروقة مجلس الشورى منذ زمن، حالت "البيروقراطية" دون الوصول إلى حلول علمية للتخلص منه حتى وقت تدوين هذه السطور).

منذ سنوات، ولأسباب ضعف الدعم المالي كما يزعم القائمين عليها، أوصدت "جمعية البيئة العمانية" أبوابها في محافظة ظفار، وأُسدل الستار على نوافذها، فانحسر أدائها، وتوقّفت جلّ أنشطتها البيئية في المحافظة التي هي بحاجّة ماسّة إلى أدنى مُستويات الدعم البيئي (تطوعّي وفني)، خصوصاً وأن المُحافظة تستحوذ على نصيب الأسد (75%) من جملة عناصر التنوع الأحيائي بالسلطنة، وبهذا، وفي ظلّ هذه المُعطيات، لا نتردّد في أن نضمّ صوتنا مع أصوات إخواننا في محافظة ظفار التي ما تزال تنادي بإيجاد الحلول لمختلف الإشكاليات البيئية التي تعاني منها منذ عقود، وتطالب بتسريع الموافقة على "إشهار" هذه الجمعية التي ستمثّل - بدون أدنى شك - "الذراع الأيمن" لجميع المؤسسات ذات العلاقة بالشأن البيئي بالمحافظة، وما قامت به هذه الجمعية من جهود كبيرة منذ تأسيسها في عام 2009م وتقوم به اليوم من جهد تطوعّي، ومُثابرة ودعم فني مُتميّز في حملة اجتثاث نبتة البارثنيوم (الغازية) التي تُلاقي صدى واسعاُ في مُختلف وسائل الإعلام ومنصّات التواصل الاجتماعي يُعدّ مؤشراً حقيقياً يكفي لدعوة جهات الاختصاص النظر في مطالبات "إشهار" الجمعية بعين الجدّية، وللمسؤولين بمؤسساتنا الوطنية واسع النظر...!      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خور الملح موطن الذهب الأبيض

  تدوين: يحيى السلماني مع بداية فصل الصيف التي تمتد من مايو حتى شهر أكتوبر تنشط وتيرة انتاج الملح بالطريقة التقليدية في ولاية قريات. وبنهاية...