تدوين: يحيى السلماني
تحظى السلطنة بمقومات طبيعية
فريدة توّفر مناطقها الفرص الحقيقية لاجتذاب الطيور البرية والبحرية، فهناك ما
يربو على 500 نوعاً من الطيور المقيمة وتلك المهاجرة التي تتخذ من جبال وأودية
وسواحل السلطنة مواقعاً استثنائية للتكاثر وأخذ قسطاً من الراحة خصوصاً أثناء
تخطّي مسارات هجرتها لمسافات طويلة، وبهذا، تصبح هذه المواقع موائلاً طبيعيةً
يقصدها العديد من هواة مشاهدة وتوثيق الطيور ليتمكنوا من صد أنواعاً جديدة من
أنواع الطيور في مواسم تعشيشها وتكاثرها خلال الفترة من أكتوبر حتى نهاية شهر مارس
من كل عام.
ألا أن التنوع الأحيائي
للطيور الذي تتميّز به السلطنة تشوبه بعض الإشكاليات وتتخلله بعض من التجاوزات تتمثّل
فيما يُطلق عليه "الطيور الغازية". ويمكن تلخيص المعنى الحقيقي للطيور "الغازية"
بأنها أنواع من الطيور (غير أصلية) نشأت في بيئات خارجية تسهم في تهديد النظام
البيئي والاقتصادي والصحي، فهي تمثّل إشكالية كبيرة لأنواع الحياة البرية وتُقلّل
من حجم المحصول الزراعي، فضلا عن أنها قد تؤثر على صحة الإنسان.
يُعتبر طائر المينا
الاعتيادية Acridotheres tristis إحدى الطيور "الغازية"
التي باتت شائعة في مختلف محافظات السلطنة، فهي تنتشر بشكل ملحوظ في أحيائنا
السكنية وحدائقنا العامة وواحاتنا الزراعية، وهي لا تتوانى في مُهاجمة أعشاش
الطيور لتلتهم أفراخها الصغيرة مما قد يُعرضها لخطر الانقراض، وتعبثُ بالمحاصيل
الزراعية لتتسبّب في تدنّي الإنتاجية ومن ثم تقلص مردودها الاقتصادي.
فقد سجّلت الكثير من الدراسات
التي تبحث تأثير هذه الطيور على هذه المحاصيل تأثيراتها على محاصيل الفواكه، يذكر
المختصون أن هذه الطيور ستتسبّب في إحداث خلل في التوازن البيئي، ففي محافظة ظفار "استطاع
طائر المينا القضاء على الكثير من الطيور التي كانت تتكفل بالقضاء على أسراب
الجراد، ما يُفسّر انتشار الجراد دون رادع طبيعي، وبهذا قد تظهر في وقت لاحق أنواع
أخرى من الزواحف والحشرات والقوارض وليس الجراد فقط والتي كانت طيور معينة كالغراب
المحلي تقضي عليها". وهو ذات الحال الذي حدث في غالبيّة المناطق الساحلية بعد
سيطرة طائر المينا على المُحيط الحيوي فتناقصت أعداد "الغراب المحلي"
بشكل مُلفت للنظر، وأصبحت المحاصيل الزراعية مرعى للمينا "الغازي" ثم
يتسع انتشاره "ليغزو" الحواضر العُمانية.
وقد سجلت بعض الدراسات
الميدانية العديد من الملاحظات للآثار الاقتصادية لهذا الطائر، من بينها اتلاف
محاصيل الفاكهة المحلية (العنب والمشمش والتفاح والتين)، ناهيك عن أنها تُساهم في
زيادة مستويات الضوضاء لما لها من صوت مزعج وعالٍ لأنها تعيش في شكل جماعات، وبهذا
تم تصنيفها حسب القائمة الصادرة عن الاتحاد الدولي لحفظ
الطبيعة (IUCN) "كأحد 100 نوع من أسوأ الأنواع
الغازية في العالم".
هذه المؤشرات تجرّنا إلى
حقيقة إن طائر المينا يُهدد تنوعنا الأحيائي، فهو من الطيور التي تتكاثر بسرعة
فائقة، وبهذا يتمكّن من مُنافسته للطيور المُستوطنة (المحلية) على الموائل والغذاء،
ولذلك، فإن انتشار هذا الطائر سيؤدي (حتماً) على المدى المتوسط إلى سلسلة من "التغييرات
الإيكولوجية"، تتمثّل في تغيير "التركيبة الديموغرافية" لعناصر
التنوع الأحيائي بالسلطنة.
لا نبيح سرّاً إن نسبنا السبب
الأول لانتشار هذا الطائر هو نقلها بواسطة "الاستيراد المُرخّص رسمياً"،
ثم التسويق لها في محلات بيع الطيور، ممّا يضطر بعضها إلى "الهروب"، أو
في حالات أخرى قد يتم تحريرها من قبل تجّار التجزئة، وهو ما يوفّر لها مناخات
مُناسبة لتتكاثر على شكل مجموعات صغيرة، وتتزايد أعدادها مع مرور الوقت.
ولمزيد من المعرفة عن المينة
الاعتيادية، هي طيور حسنة المظهر جيء بها مواطنها الأصلية بجنوب شرق اسيا، تتميّز
بقدرتها الفائقة على مُحاكاة وتقليد حديث البشر، فالدراسات تشير إلى أنه ينمكّن من
"تقليد أكثر من خمسة أصوات مُختلفة"، وإن كان الهنود يطلقون عليه "صديق
المزارع" لأنه يقضي على الحشرات التي تُدمّر محاصيلهم الزراعية، ويتباهون به باعتباره
"فأل خير" في حياتهم "الفلاحية"، ألا أنّ نظرتنا اتجاه هذا
الطائر تبدو مُغايرة ومُختلفة تماماً، فهو في واقع الأمر طائرٌ "عدوانيٌ"
ساعدته الظروف التي هُيأت له العبث بعناصر بيئاتنا الطبيعية التي تتوافق مع طبيعة
هذا الطائر "الغازي" ولا تنسجم مع سلوكياته "العدوانية".
وفي
الوقت الذي نطرح فيه اليوم بعض من تفاصيل الاثار الصحية والبيئية لانتشار طائر
المينا، نتساءل: ألم يحن الوقت بعد لإعداد خطة (عمليّة) لمُكافحة مثل هذه الطيور
الدخيلة "الغازية" للحدّ من اثارها والتقليل من أضرارها على عناصر
موائلنا الطبيعية؟ إلى متى ستبقى الإشكاليات المُتعلقة ب"الكائنات
الغازية" من (نباتات وطيور) مُهمّشة، ومركونة في أدراج المسؤولين عن هذا
القطاع الحيوي دون المبادرة لصياغة استراتيجية تتفادى من خلالها اثارها المُدمّرة على
بيئتنا؟ نرى أن "تحريك" هذا الملف أضحى واجباً وطنيّاً ومطلباً بيئيّاً مُلحّاً،
والتواني أو التهاون سيُكلّفنا حتماً فقدان مخزون موائلنا لتوازنها البيئي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق