الاثنين، 16 أكتوبر 2023

خور الملح موطن الذهب الأبيض

 

تدوين: يحيى السلماني

مع بداية فصل الصيف التي تمتد من مايو حتى شهر أكتوبر تنشط وتيرة انتاج الملح بالطريقة التقليدية في ولاية قريات. وبنهاية هذا الشهر تتراجع كميات الإنتاج بسبب انخفاض درجات الحرارة التي تتسبّب في تقليل مستوى تبخّر المياه.  

يعتمد مُنتجي الملح الطبيعي بهذه الولاية على استخدام أدوات تقليدية توارثوها أب عن جد. في هذا الموقع الفسيح الذي يُطلق عليه "خور الملح" تمرّ عملية الإنتاج بعدّة مراحل: يتم في البداية احتجاز المياه المالحة في أحواض صُممّت بطريقة يسمح لها أن تختزن كميات من المياه لفترات طويلة. وبعد حوالي أسبوع يتم جمع الملح المترسّب في أرضية الأحواض في منطقة تسمى محليا "البند"، ثم تبدأ عملية تجفيفه وتنقيته، بعدها تأتي مرحلة تخزينه في أكياس قماشية أو بلاستيكية، ثم تسويقه في الأسواق المحلية.   

قديماً، اعتمد مُنتجي الملح بهذه الولاية على الحيوانات مثل الحمير والإبل في نقل هذا المنتج إلى الأسواق، وكانت تُصدّر الكميات الزائدة إلى الهند وشرق أفريقيا بواسطة السفن التي كانت ترسو بالقرب من برج (الصيرة) الواقع بساحل ولاية قريات. أما اليوم تُستخدم سيارات الدفع الرباعي والشاحنات لنقل أكياس الملح لتوزيعها على الأسوق المحلية بمختلف ولايات السلطنة. 

تُشير بعض التقارير الإعلامية إلى أن الكميات التقديرية المنتجه من هذا الموقع خلال فترة الصيف تبلغ حوالي  400 طن. هذه الكمية تفي بطبيعة الحال باحتياجات السوق المحلي الذي يمكنه تسوّق 30 كيلوجرام من الملح بريالين فقط. وهذا سعر رخيص جدا إذا ما قورن بأسعار الملح المُنتج في الأسواق الإقليمية والعالمية. لذلك، من يواضبون العمل في هذا الحقل سيواصلون مُطالباتهم جهات الاختصاص لتحديث وتوسعة هذا الموقع الاستثنائي لإنشاء مصنع حديث يعمل بتقنيات جديدة تتوافق مع اليات إنتاج الملح المُستخدمة حسب المواصفات الدولية. فالموقع مُؤهل لإنتاج كميات كبيرة من الملح وبجودة عالية يمكن إستثمارها في تصدير هذا المنتج المحلي للخارج.

 يُطلق العُمانيون على هذا المُنتج "الذهب الأبيض" بسبب تعدّد استخداماته ووفرة مردوده المالي، من أهم هذه الاستخدامات تحضير وجبة "المالح" التقليدية التي يُعتمد في تحضيرها على أسماك (الجيذر والسهوة). بعد دهنها وتشبيعها بالملح الطبيعي، يتم تخزينها لفترات طويلة في عبوات معدنيّة أو بلاستيكية، وما تزال هذه الوجبة الشعبية "تُسيل لها اللعاب" فهي تُلاقي قبولا مُنقطع النظير في مُختلف ولايات السلطنة وتُصدّر إلى بعض دول الخليج العربي.

وفقاً للمراجع العُمانية، لا يقتصر استخدام الملح الطبيعي في ولاية قريات وغيرها من الولايات على تحضير الوجبات التقليدية بل يُستخدم أيضا لتغذية المواشي، حيث "يُخلط الملح الطبيعي مع الأعلاف باعتباره أحد خيارات التغذية الصحيّة التي يُوصي بها مُربّو المواشي بالسلطنة".  

بجانب فوائده الاقتصادية والصحيّة، يُعتبر خور الملح اليوم أحد المعالم السياحية الفريدة بالسلطنة. خلال تجربتي المتواضعة في قطاع السياحة أدركت بأن هذا الموقع يأتي في قمة أولويات قائمة المواقع السياحية التي يقصدها عدد لا بأس به من السواح. خلال الزيارة، جميع السواح - خصوصاً أولئك القادمون من أوروبا وأستراليا وأمريكا الشمالية كانوا يقفون والدهشة تُحيط بهم أثناء مُشاهدتهم عشرات من أحواض من "البلورات البيضاء" مُقسمّة على شكل مُربعات هندسية، ثم لا يتوانون عن الإقتراب من تلال الملح الأبيض التي تنتظر مرحلتي التعبئة والتخزين. 

لم تأت دهشة أولئك السواح من فراغ أو محض صدفه، بل جاءت بعد إطلاعهم مُسبقاً على الأهمية التاريخية لهذا الموقع. فخور الملح الذي يقع على بعد حوالي 5 كم في الشريط الساحلي بقرية دغمر (جنوب ولاية قريات) يُصنّف كأحد أهم المعالم البيئية والأثرية بالولاية، والدراسات المُوثقة لهذا الموقع تُشير إلى "أنه قد تم اكتشاف بعض النفايات القوقعية والبشرية تعود إلى حقبة الألف الثالث قبل الميلاد".

 يتملك أحواض هذا الموقع  عشرات الأُسر ممن تمرسّوا في حرفة إنتاج الأملاح الطبيعية، توارثوا العمل أب عن جدّ، لكل منهم أحواضه الخاصة به، فقد تم تقسيم هذا الموقع إلى عدة تقسيمات طولا وعرضا، ويُطلق على كل حوض مُسمّى يتميز به عن الحوض الاخر، من أشهر هذه المُسميات حسبما ذُكرت في كتاب "قريات ماضي عريق وحاضر مُشرق" لمؤلفه الباحث صالح الفارسي: "سنجور، المنطولة، الملقوط، الصفا، الجواري، الجفري، نطاله، الوادي ،الطريق".

بحكم عملي كمرشد سياحي، تعدّدت زيارتي لهذا الموقع الإستثنائي، وفي كل زيارة كُنت أتسائل ما المانع من البحث عن المساق التاريخي والاجتماعي لهذه الثروة الطبيعية. من يتعمّق في البحث يجد أن للملح اعتباراته الخاصة في الحضارات القديمة، وفقا للمراجع التاريخية، فقد عبّرت مختلف الحضارات القديمة في العالم عن الأهمية الاقتصادية والعقائدية والإجتماعية لهذا المُنتج، حيث استخدمته الشعوب منذ القدم في إعداد أنواع من المواد الغذائية، ناهيك عن أنه- أي الملح- يُعتبر أحد أقدم الصناعات المعدنية وله قيمة اجتماعية في الحضارات الرومانية والصينية والهندية والمصرية.  

في عام 1912 نشر إيرنست جونز Ernest Jones  مقالا ناقش فيه "الهوس البشري" بالملح، حيث اعتبر أن هذه الظاهرة تُخفي ورائها هاجساً غير منطقي يحمل دلالات مُتعددة في العقل الباطن، ودعما لهذه النظرية ذكر جونز Jones العادة الغريبة التي مارسها سكان الحبشة حيث كانوا "يُقدّمون لضيوفهم قطعة من الملح الحجري ثم يقومون بلعقها كاملة".

من جانبه يشير الصحفي والمؤلف الأمريكي مارك كورلانسكي Mark Kurlansky في كتابه "الملح تاريخ عالمي" إلى أن الملح أُستثمر في العصور القديمة حاملاً معه مدلولاً يتخطّى خصائصه الطبيعية، فقد أسماه الشاعر الإغريقي هوميروس "المادة الإلهية"، فيما وصفه الفيلسوف إفلاطون ب"المادة التي تحظى بمعزّة خاصة لدى الألهة". وكان المصريون القدامى والرومان "ينثرون الملح على الأضاحي والقرابين"، كما استعمله الفراعنة في "التحنيط". نعرف جميعاً أن مُعتقدات الفراعنة تتركّز على فكرة "الخلود"، وقد جاء اصطناع المومياءات في إطار اعتقادهم بضرورة "حفظ الجسد" في انتظار حياة أخرى جديدة، وانطلاقاً من هذه المعتقدات فإن "قدرة الملح على حفظ الجسم أعطته أهمية أسطورية".

 في الإطار الأيدولوجي، لا يرتبط الملح عند المسيحيين ب"العُمر المديد" بل أيضا ب"الحكمة". فالكنيسة الكاثوليكية لا تكتفي بتقديم "الماء المُقدّس" بل تُقدّم أيضا "الملح المقدّس" أو "ملح الحكمة"، لأنهم يعتقدون بأن الملح "عنصر غذائي طاهر". وتُشير الدراسات إلى أن العبرانيين القُدامى (اليهود) يعتبرون الملح رمزٌ للطابع الأبدي لميثاق عقده الله مع بني إسرائيل يُسمى "عهد الملح"، ويعمد اليهود ليلة يوم الجمعة إلى تغميس "خبز السبت" في الملح، فالخبز عند اليهود رمز الطعام الذي يعتبر نعمة من الله، وتغميسه في الملح يحفظه ويحفظ الاتفاق المعقود بين الله وشعبه المختار.

المُتتبّع لتاريخ صناعة الملح يجد أن أهمية الملح توسعّت لتولج من المعابد والكنائس فتؤثّر على خصوصية وطبيعة الحياة في قصور الملوك. يذكر الصحافي الأمريكي مارك كورلانسكي Mark Kurlansky أن أحد القصص الفرنسية تحكي عن أميرة عبّرت عن شعورها تجاه أبيها قائلة له: "أحبك كما أحب الملح"، هذا التشبيه أغضب أبيها فأمر بنفيها من المملكة، ولم يدرك الملك قيمة الملح إلا بعد أن حُرم منه لاحقا فأدرك بعد ذلك عمق حُب إبنته له.

من يسبر أروقة ثقافة المجتمعات يجد أن للملح قوة غريبة في طرد الأرواح الشريرة. يميل كثير من شعوب الأرض إلى الاعتقاد أن "الأرواح الشريرة" لا تتحمل الملح الذي يستطيع  طردها، ويصعب التفكير في أي مادة أخرى نالت أي نصيب مواز من الأهمية في فكر الإنسان ومعيشته بأكثر مما فعل الملح. ففي المسرح الياباني التقليدي، كما ورد في كتاب مارك كورلانسكي Mark Kurlansky  كان "الملح يُذّر على خشبة المسرح قبل كل عرض لحماية الممثلين من الأرواح الشريرة والحسد"، وفي أفريقيا وبعض أنحاء اسيا ما تزال بعض قبائلهم  تعتقد أن الملح "طارد للأرواح الشريرة" ولديه قوة خارقة ل"إبطال السحر".

أهمية الملح لم تتوقف عند حدود الاعتقادات الدينية والممارسات الاجتماعية، تذكر المصادر التاريخية أن طريق الملح Via Solaria أول الطرق الرومانية الكبيرة التي نُقل من خلالها الملح إلى روما، وكان الرومان في أمسّ الحاجة إلى الملح من "أجل الجنود والجياد"، وقد "كان الجنود يتقاضون أجرهم حفنة من الملح". من هنا جاءت كلمة Salary والعبارة Worth his salt أو Earning his salt بمعنى "إستحق أجره". ولأهميته الاقتصادية شيّد الرومان "الملاحات" بالقرب من الشواطئ خلال حملاتهم التوسعيّة (الإستعمارية) لأنهم قد أدركوا بأن "الملح عنصر ضروري في بناء الإمبراطورية". 

لقد شهد ساحل المتوسط على امتداده حركة نشطه للملاحات التي نشط في إنشائها فيما بعد الفينيقيون والبيزنطيون والمسلمين، وقد كان الملح الذي يُنتج في الإسكندرية يحظى بتقدير كبير خصوصا النوع المعروف باسم "زهرة الملح"  Fleur de sel في العصور الوسطى أيضاً صُممت أوعية وأطباق الموائد الملكية على شكل سفينة شراعية وزُينّت بالملح، وكا ن ذلك رمزا "لسفينة الدولة". وباعتبار أن الملح يرمز إلى الصحة وحفظ الطعام، فإن صحة الحاكم انذك يُمثّل استقرار الأمة.

المراجع التاريخية تقول: خلال حقبة الاستعمار البريطاني كانت القبائل الهندية تُقدّم الملح كضمان لولائها للبريطانيين، ففي غوجارات Gujarat الساحل الغربي في الهند كان الملح يُنتج في أرض سبخة تصل مساحتها إلى 9 الاف ميل مربع تُعرف باسم  Rann of Kutch ، كان هناك أيضا منطقة Orissa في الساحل الشرقي كمانت موقع مثالي لانتاج الملح الطبيعي. يطلق الهنود على حقول الملح Khalaris وكان الملح الذي يتم انتاجه عبر التبخير الطبيعي تحت أشعة الشمس يُسمى Kartach . 

وحسب ما جاء في كتاب "الملح تاريخ عالمي" لمؤلفه مارك كورلانسكي Mark Kurlansky يذكر التاريخ أن "أول حالات فرض ضرائب على الملح، كانت في الصين بواسطة الإمبراطور الأسطوري «هاونجدي» قبل 2700 عام قبل الميلاد"، ولم تكن الصين هي الدولة الوحيدة التي فعلت ذلك؛ فقد "فرضت كُل من مراكز العالم القديم مثل أثينا وروما ومن بعدها فرنسا، الضرائب على الملحفيما سجل التاريخ الصيني احتكار المسحوق الأبيض، منذ القرن السابع قبل الميلاد، عندما أراد أباطرة الصين حماية السلعة الثمينة من الكساد التجاري، وكان الملح يمثل نسبة تتراوح بين 80 إلى 90 % من الدخل القومي للإمبراطورية الصينية في القرن الخامس قبل الميلاد، الأمر الذي مكّن الدولة، من فرض ضرائب على الملح، والتحكم في تجارته مع الدول الأخرى".

منذ الاف السنين تعدّدت استخدامات الملح وتنامت أهميته حتى يومنا هذا. تُشير مُؤشرات قطاع الصناعة الحديثة إلى أن "الملح يُستخدم في أكثر من 14 ألف استخدام بما في ذلك تصنيع المستحضرات الصيدلانية، تذويب طبقات الجليد، تسميد الحقول الزراعية، صناعة الصابون، صباغة الأقمشة" والقائمة طويلة جداً. 

بعد هذا العرض، يُمكن القول: أن الملح استطاع أن يحتفظ بأهميته الغذائية والاقتصادية والاجتماعية والعقائدية حتى يومنا هذا. فنحن ما نزال نستخدمه كعنصر أساسي لا غنى عنه في معظم موائدنا، وهناك من لا يزال يحرس على مُمارسة طقوسه الاجتماعية والدينية بحضور بلّورات الملح البيضاء طلباً للبركة واستعاذة من الشر والحسد.

الملح، وإن حُمّل معان مُتفاوتة ومتباينة كلٌ حسب ثقافته ومُعتقده، سيبقى حاملاً لرمزيّته الأدبية الراسخة في وجداننا العربي دلالات احترام حسن العشرة وإشارات إجلال لذوي القُربى وعلامات توقير لوشائج الصداقة، والمثل الدارج "بيننا عيش وملح" ما نزالُ نُردّده ليُترجم بوضوح لا لبس فيه مدى تعظيمنا لصفاء صداقاتنا وحُسن المعشر.            

 من هُنا، وبعيداً عن إنشغالنا ما يحمله الملح من رموز ودلالات، نضمّ صوتنا مع إخواننا الذين ما يزالون - رغم الصعوبات - يُرابطون على مُمارسة حرفة إنتاج هذه الثروة الطبيعية بولاية قريات ويُطالبون جهات الاختصاص أن تدعم جهودهم بتأهيل الموقع بما يتوافق مع المعايير الدولية، وتوفير أولويات أسس الحماية لهذا الموقع الاستثنائي من السيول والفيضانات والزحف الرملي، ونلتمُس إمدادهم بأدوات حديثه تُسهّل عليهم طرق الإنتاج وتختصر أوقات التعبئة والتخزين وتُعينهم في عمليتي الترويج والتسويق، وبهكذا دعم ستتعاظم الفائدة للجميع، وسيظل "خور الملح" أحد مواطن "الذهب الأبيض" بالسلطنة، والتوفيق بيد الله!      

 

الخميس، 24 مارس 2022

حارة الرمل: تنتظر الترميم

 

تدوين: يحيى السلماني

على بعد عشرات الأمتار، تقع حارة الرمل التي تعتبر واحدة من الحارات الأثرية العريقة بالسلطنة. حيث يعود تاريخ بناء هذه الحارة لأكثر من 300 عام، وتم بناؤها بوسط مدينة عبري على منحدرات جبل الرمل.

تمتاز بتلاصق بيوتها الطينية، ومن لا يعرف مداخل ومخارج هذه الحارة سيتوه بين ممراتها الضيقة التي تُحاكي أنماط الهندسة المعمارية العمانية، فبيوت الحارة تتميّز بالشرفات المفتوحة والنوافذ والابواب الخشبية العتيقة، كما تتباهى مداخلها الرئيسية والفرعية بعشرات الأقواس المستوحاة من فنون العمارة العربية والإسلامية، وتتزيّن أسقفها التي شيدت بجذوع النخيل بألوان زيتية زاهية تتشابه مع تلك المنقوشة في بعض الحصون والقلاع العمانية.

بكل تلك المقومات التاريخية والجمالية، تعتبر الحارة اليوم معلما حضاريا وسياحيا حيث تُجسّد طراز حياة الإنسان العماني وعبقريتة في استخدام في استغلال خامات البيئة الطبيعية بشكل مذهل.

يؤكد السكان المحليين أن هذه الحارة كانت تعتبر المركز الشتوي لجميع الساكنين بولاية عبري، وذلك نظراً لتدني درجات الحرارة في المزارع، وبهذا فأن بيوتها الطينية توفر الدفء خلال فصل الشتاء القارس، كما أنها قريبة من فلج "المفجور" الذي يمد هذا الحي السكني بالمياه.

تضم هذه الحارة ثلاثة مساجد هي مسجد سدرة الرمل، ومسجد الشريعة، ومسجد الحارة، ويوجد بأعلى الجبل برجان، وبها كهف كبير يصل إلى الجانب الآخر للحارة قديماً، كما يوجد بها سدرة عريقة يزيد عمرها عن ٤٠٠ عام تقريباً، وتسمى (سدرة الرمل)، حيث كان البدو الرحل يبيتون تحتها، وبهذه الحارة أقدم مدرسة اسمها مدرسة "الإصلاح" وكان بها مدرسة تعليم القرآن الكريم تقع بين مسجد الشريعة وبرجها القديم.  

 يعمل غالبية أهالي الحارة في مجالي الزراعة وتربية المواشي، وتذكر المصادر التاريخية أن العديد من الرحالة زاروا هذه الحارة، من بينها زيارة الرحالة جيمس ريمون في عام 1836م.  

يُطالب الأهالي الجهات المعنية كوزارة التراث والسياحة بضرورة الإسراع في ترميم بيوت الحارة، والتخطيط لتكون معلماً ومقصداً سياحياً، والسماح للقطاع الخاص باستثمار هذا الموقع التاريخي بما يتوافق مع النظم المعمول بها في المجال السياحي بالسلطنة.   

يشير أحد المختصين في مجال التراث أنه في عام 2004 صدر مرسوم سلطاني رقم (25/2004) بتقرير صفة المنفعة العامة لمشروع حارة الرمل، وذلك للأهمية التاريخية التي تمثلها الحارة، حيث تعد إرثا تاريخيا وحضاريا للإنسان العماني.

"مما لا شك فيه ان ترميم تلك البيوت يعد بمثابة إعادة شيئا من التراث العماني،  ولكن لم نرى أي تحرك من قبل جهات الإختصاص منذ تاريخ صدور المرسوم السلطاني، فالحارة ما تزال مُهملة، وبيوتها تُعاني من الانهيا، خصوصا وأن ولاية عبري تشهد أمطار غزيرة بين الوقت والأخر، وهو ما أدى إلى مسح الكثير من تفاصيل الطراز المعماري، وبهذا فمع مرور الأيام قد يزيد هذا الإهمال في تكلفة ترميم هذا الموقع التاريخي"، أشار أحدهم.    

ما يزال الكثير من مواطنون الولاية يأملون من الجهات المختصة الإسراع في النظر على هذا الموقع بعين الجدية، ويقترحون أن يرافق مشروع التطوير تعيين مرشدين سياحيين، وإنشاء مكتب سياحي مع عمل استراحات مستوحاة من التراث بهذه الحارة القديمة الأثرية. كما يجب وضع مخطط سياحي لها يتمثل في استغلال بيوتها كنزل تراثية وبناء مقاهٍ ومطاعم تقدم الوجبات العمانية الشهية.

السبت، 7 أغسطس 2021

قبل أن تفقد موائلنا توازنها البيئي

 

تدوين: يحيى السلماني   

تحظى السلطنة بمقومات طبيعية فريدة توّفر مناطقها الفرص الحقيقية لاجتذاب الطيور البرية والبحرية، فهناك ما يربو على 500 نوعاً من الطيور المقيمة وتلك المهاجرة التي تتخذ من جبال وأودية وسواحل السلطنة مواقعاً استثنائية للتكاثر وأخذ قسطاً من الراحة خصوصاً أثناء تخطّي مسارات هجرتها لمسافات طويلة، وبهذا، تصبح هذه المواقع موائلاً طبيعيةً يقصدها العديد من هواة مشاهدة وتوثيق الطيور ليتمكنوا من صد أنواعاً جديدة من أنواع الطيور في مواسم تعشيشها وتكاثرها خلال الفترة من أكتوبر حتى نهاية شهر مارس من كل عام.

ألا أن التنوع الأحيائي للطيور الذي تتميّز به السلطنة تشوبه بعض الإشكاليات وتتخلله بعض من التجاوزات تتمثّل فيما يُطلق عليه "الطيور الغازية". ويمكن تلخيص المعنى الحقيقي للطيور "الغازية" بأنها أنواع من الطيور (غير أصلية) نشأت في بيئات خارجية تسهم في تهديد النظام البيئي والاقتصادي والصحي، فهي تمثّل إشكالية كبيرة لأنواع الحياة البرية وتُقلّل من حجم المحصول الزراعي، فضلا عن أنها قد تؤثر على صحة الإنسان.

يُعتبر طائر المينا الاعتيادية Acridotheres tristis إحدى الطيور "الغازية" التي باتت شائعة في مختلف محافظات السلطنة، فهي تنتشر بشكل ملحوظ في أحيائنا السكنية وحدائقنا العامة وواحاتنا الزراعية، وهي لا تتوانى في مُهاجمة أعشاش الطيور لتلتهم أفراخها الصغيرة مما قد يُعرضها لخطر الانقراض، وتعبثُ بالمحاصيل الزراعية لتتسبّب في تدنّي الإنتاجية ومن ثم تقلص مردودها الاقتصادي.

فقد سجّلت الكثير من الدراسات التي تبحث تأثير هذه الطيور على هذه المحاصيل تأثيراتها على محاصيل الفواكه، يذكر المختصون أن هذه الطيور ستتسبّب في إحداث خلل في التوازن البيئي، ففي محافظة ظفار "استطاع طائر المينا القضاء على الكثير من الطيور التي كانت تتكفل بالقضاء على أسراب الجراد، ما يُفسّر انتشار الجراد دون رادع طبيعي، وبهذا قد تظهر في وقت لاحق أنواع أخرى من الزواحف والحشرات والقوارض وليس الجراد فقط والتي كانت طيور معينة كالغراب المحلي تقضي عليها". وهو ذات الحال الذي حدث في غالبيّة المناطق الساحلية بعد سيطرة طائر المينا على المُحيط الحيوي فتناقصت أعداد "الغراب المحلي" بشكل مُلفت للنظر، وأصبحت المحاصيل الزراعية مرعى للمينا "الغازي" ثم يتسع انتشاره "ليغزو" الحواضر العُمانية.

وقد سجلت بعض الدراسات الميدانية العديد من الملاحظات للآثار الاقتصادية لهذا الطائر، من بينها اتلاف محاصيل الفاكهة المحلية (العنب والمشمش والتفاح والتين)، ناهيك عن أنها تُساهم في زيادة مستويات الضوضاء لما لها من صوت مزعج وعالٍ لأنها تعيش في شكل جماعات، وبهذا تم تصنيفها حسب القائمة الصادرة عن الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) "كأحد 100 نوع من أسوأ الأنواع الغازية في العالم".

هذه المؤشرات تجرّنا إلى حقيقة إن طائر المينا يُهدد تنوعنا الأحيائي، فهو من الطيور التي تتكاثر بسرعة فائقة، وبهذا يتمكّن من مُنافسته للطيور المُستوطنة (المحلية) على الموائل والغذاء، ولذلك، فإن انتشار هذا الطائر سيؤدي (حتماً) على المدى المتوسط إلى سلسلة من "التغييرات الإيكولوجية"، تتمثّل في تغيير "التركيبة الديموغرافية" لعناصر التنوع الأحيائي بالسلطنة.

لا نبيح سرّاً إن نسبنا السبب الأول لانتشار هذا الطائر هو نقلها بواسطة "الاستيراد المُرخّص رسمياً"، ثم التسويق لها في محلات بيع الطيور، ممّا يضطر بعضها إلى "الهروب"، أو في حالات أخرى قد يتم تحريرها من قبل تجّار التجزئة، وهو ما يوفّر لها مناخات مُناسبة لتتكاثر على شكل مجموعات صغيرة، وتتزايد أعدادها مع مرور الوقت.

ولمزيد من المعرفة عن  المينة الاعتيادية، هي طيور حسنة المظهر جيء بها مواطنها الأصلية بجنوب شرق اسيا، تتميّز بقدرتها الفائقة على مُحاكاة وتقليد حديث البشر، فالدراسات تشير إلى أنه ينمكّن من "تقليد أكثر من خمسة أصوات مُختلفة"، وإن كان الهنود يطلقون عليه "صديق المزارع" لأنه يقضي على الحشرات التي تُدمّر محاصيلهم الزراعية، ويتباهون به باعتباره "فأل خير" في حياتهم "الفلاحية"، ألا أنّ نظرتنا اتجاه هذا الطائر تبدو مُغايرة ومُختلفة تماماً، فهو في واقع الأمر طائرٌ "عدوانيٌ" ساعدته الظروف التي هُيأت له العبث بعناصر بيئاتنا الطبيعية التي تتوافق مع طبيعة هذا الطائر "الغازي" ولا تنسجم مع سلوكياته "العدوانية".

ناقشنا في مدوّنات سابقة مواضيع لها صلة بالأحياء الدخيلة (الغازية)، من بينها على سبيل المثال لا الحصر: انتشار نباتات "البارثنيوم" وأشجار المسكيت (الغاف البحري)، فكلاهما تتنافسان على التهام الرقعة الخضراء، وتهددّان خصوبة الأرض، وتتسبّبان في إصابات صحية بالإنسان كالإصابة بالالتهابات الجلدية، وهما متسبّبتان في نفوق عشرات الحيوانات والطيور بالسلطنة.

وفي الوقت الذي نطرح فيه اليوم بعض من تفاصيل الاثار الصحية والبيئية لانتشار طائر المينا، نتساءل: ألم يحن الوقت بعد لإعداد خطة (عمليّة) لمُكافحة مثل هذه الطيور الدخيلة "الغازية" للحدّ من اثارها والتقليل من أضرارها على عناصر موائلنا الطبيعية؟ إلى متى ستبقى الإشكاليات المُتعلقة ب"الكائنات الغازية" من (نباتات وطيور) مُهمّشة، ومركونة في أدراج المسؤولين عن هذا القطاع الحيوي دون المبادرة لصياغة استراتيجية تتفادى من خلالها اثارها المُدمّرة على بيئتنا؟ نرى أن "تحريك" هذا الملف أضحى واجباً وطنيّاً ومطلباً بيئيّاً مُلحّاً، والتواني أو التهاون سيُكلّفنا حتماً فقدان مخزون موائلنا لتوازنها البيئي.   

الأربعاء، 7 يوليو 2021

الدفلة: داءٌ ودواء ...!

 

نبتة الدفلة هي إحدى الشجيرات التي تنتشر في حدائقنا العامة وتُغرس على محاذاة شوارعنا الرئيسية والفرعيّة، بل أصبحت هذه الشجرة اليوم شائعة في أحيائنا السكنية حيث تتزيّن بها حدائق بيوتنا، هذه الشجرة الدائمة الخضرة تتميّز بأغصانها الطويلة، وأوراقها السميكة، وزهورها التي تتلوّن بالوردي والأصفر والأبيض. قد تبدو هذه الشجرة للبعض بأنها فصيلة جديدة مُستحدثة، ألا أن المصادر العلمية تشير إلى أن الشعوب القديمة قد استخدمتها في الكثير من الأغراض الطبية.

وبهذا يمتد وجود هذه الشجر لآلاف السنين، فقد وَرَدَ ذكرها في نصوص قديمة وروايات شعبية منذ أكثر من 1500 سنة، فاستخدمها الإغريق، والبابليون والرومان والعرب والهنود، وبالرغم من سميّتها تبين الدراسات أن لها خصائص علاجية، فقد استخدمت عصارات أوراقها وأغصانها لمعالجة العديد من الأمراض من بينها على سبيل المثال لا الحصر: التهاب الجلد والأكزيما والصدفية والقروح والأورام والربو والملاريا والسكري. ويُستخلص من هذه الشجرة مادة منشطة للقلب ومُضادة للبكتيريا، وتساعد في الحد من انتشار الخلايا السرطانية في الرئة. كما أن زهرة الدفلى صُممّت كرمز رسمي لمدينة هيروشيما اليابانية، باعتبارها أولى الأزهار التي تفتّحت بعد إلقاء القنبلة الذرية على المدينة عام 1945.

وبالرغم من الفوائد الطبية لهذه الشجرة ألا أن هناك بعض الدراسات الحديثة تُؤكد على أنها تتسبّب لمُتلقي العلاج بها بالغثيان والاسهال والخمول والكسل، وتسبب الصداع والام المعدة، ومشاكل خطيرة في القلب. وتصفها بعض الدراسات المختصة في علوم النباتات أن هذه الشجرة تعتبر أحد مصادر التسمم النباتي الخطير، فعلى سبيل المثال: أصبحت شجرة الدفلى تلاقي سمعة سيئة في سيريلانكا لارتباطها في الأذهان كأداة للانتحار، وهي تُسبّب في نظرهم الإغماء ثم الموت.  

وتُشير بعض الدراسات إلى إن الطبخ على نار حطب "الدفلى" قد يُسمّم الطعام المطبوخ أو اللحم المشوي، وأظهرت دراسات أجريت على حيوانات أعطيت خلاصة "الدفلى" أن الثدييات حسّاسة بشكل خاص، حيث أن الأبقار والأغنام والخيول قد تنفق إذا تناولتها وحتى إذا شربت ماء سقطت فيه أوراقها.

تقارير طبيّة أكدت أن يخضع الشخص في حال أكلها إلى عناية طبية فورية؛ حيث يتم اللجوء إلى حفز التقيؤ وغسل المعدة كإجراءين وقائيين لتقليل امتصاص الجسم للمركبات السامة. يأتي ذلك في الوقت الذي بيّنت فيه تقارير بأنه قلّما يُبّلغ عن حوادث تسمم للبشر نتيجة تناول "الدفلى".

تزهر "الدفلى" طوال فصل الصيف حتى الخريف، وتتنوع ألوان أزهارها بين الزهري والأحمر والبنفسجي والأبيض والأصفر، وتزرع على نطاق واسع كأشجار زينة أو كأسيجة حول الأراضي وفي الحدائق العامة والخاصة وعلى جوانب الشوارع والطرق السريعة؛ لأنها تتحمّل الجفاف، كما أن سمّيتها تردع الحيوانات عن العبث بها ويمكن اعتبارها مبيداً طبيعيّاً للحشرات. المصادر الزراعية تشير إلى أن شجرة "الدفلى" شجرة جميلة دائمة الاخضرار تنمو حتى ارتفاع نحو ستة أمتار، وهي تتكيف مع تشكيلة واسعة من الظروف، ومنها المناطق شبه الجافة والمعتدلة، ومن مزاياها أنها تتحمّل الجفاف والرياح والمياه المالحة، وتتكيف مع خصائص تربة الأراضي الرطبة.

وفي الوقت الذي يطالب فيه بعض المختصون في مجالي الصحة والبيئة بإزالة هذه الأشجار باعتبار أوراقها تحمل مواد شديدة "السمّية" للإنسان والحيوان والطيور واستبدالها بأشجار أخرى، في المُقابل، هُناك من يؤكّد بان هذه النبتة لا تبلغ حدّ "السميّة" إلا إذا "تناول الانسان منها ما يعادل 30 – 100 جرام"، وتُلفت الدراسة على أن هذه النباتات موجودة في الحدائق في مختلف دول العالم، وهي "تُساعد على امتصاص ملوثات الهواء بالمُدن ذات الكثافة السكانية العالية"، وينظر العلماء حاليًّا في الية لاستثمار الفوائد الصحية لعصارات "الدفلى" التي باتت تستخدم في العقاقير كمقويّات لجهاز المناعة وكعلاج طبيعي لبعض الأمراض.

وبتنامي مستوى الوعي بخصائص هذه الشجرة، التي يُطلق عليها محلياً "الحبن" وبعد تدارس وضعيها: الإيجابي والسلبي، بدأ الكثير من المواطنين والمُقيمين بالسلطنة يتوجّسون خوفاً، ويفكرون مليّا قبيل الشروع في غرسها بالساحات الداخلية لمنازلهم، والجميع يترقّب وجهات نظر جهات الاختصاص "العلمية" وما قد تُسدي به من "نصائح" حول الاثار الصحية والبيئية المترتبة على زراعة هذه الشجرة في منازلنا فضلاً عن توسّع انتشارها في الحدائق والمنتزهات العامة.

الأحد، 13 يونيو 2021

إلى روح نمر أديب ...!

  

تدوين: يحيى السلماني

"وإن الناس جمعهم كثيرٌ، ولكن من تُسرّ به قليلُ ...!"  

في السابع عشر من شهر سبتمبر 2020م، ودّعت، مُكرهاً، صديقي ورفيق دربي وأستاذي نمر أديب الذي تتلمذت على يديه أبجديات الإعلام البيئي، وأنا أودعه، قبيل مغادرته السلطنة متوجهاً إلى مصر "أرض الكنانة" لم يكن لديّ ما أقوله، غير أني واسيته هامساً: "هكذا هي الحياة، فكل لقاء يعقبه فراق"، أخفيت عنه، متعمّداً، عيناي اللاتي كانتا تذرفان دموعهما، ولم أبيّن له بأن روح قلبي تتحرّق ألماً، طبطبت على كتفيه، بينما تعلو محيّاه مسحة ألم عميق، ثم وعدته بزيارتي له ريثما تتهيأ الظروف لي مستقبلاً، قبّلته وترددّت على حضنه الدافئ، ودعته ولم يكن لحديث وداعه إلا الصمت، ولم أتذكر وأنا أتردّد على حضنه سوى صدق الأحاسيس ونبل المشاعر، ثم أدرت ظهري مُستذكراً عشرات من القصص والحكايات والمواقف التي تختزل مسيرة ما يزيد عن 27 عاماً من الصحبة والمودّة والألفة.

عصر اليوم، صُدمت بخبر وفاته الفاجع بعد صراعه مع مرض ألمّ به منذ أشهر، يرحل نمر أديب بعدما أكمل عقده الثامن، ثمانين عاماً قضاها بين طالب للعلم وبين صحفي يتقصّى بحسّه المهني المُرهف حقيقة قضايا الإنسان والبيئة المحيطة به، مارس مهنة "البحث عن المتاعب" فأبدع في صياغة مختلف القوالب الصحفية، طاف عدد من بلدان العالم وتغرّب ساعياً إلى تطوير مهاراته ولاهثاً لتأمين لقمة عيشه، والتمكن من الإيفاء بمستلزمات الحياة اليومية.

مكوثه في السلطنة كان الأطول بين جلّ رحلاته، أستذكر مسارات سيرة حياته التي أمضاها مُنافحاً بقلمه وبثقافته الواسعة، منذ معرفتي به، لم أرى فيه غير التواضع ودماثة أخلاقه، وتمتّعه بمهارات أدب الحوار، وتحلّيه بمصداقيته وتفانيه في أداء مهامّه، وجرأته في طرحه لقضايا الإنسان والبيئة، وجدّيته في البحث، ودقته في الطرح، وبالرغم من التعب الذي "تكدّس" عليه في زحمة أيامه، كان لطيفاً في تعامله، مُحبّاً للنكتة والمزاح.

كرّس وقته للإرتقاء بمجال الصحافة البيئية بالسلطنة، فوظّف سعة اطلّاعه، وتفانى في تأهيلي وتنشئتي وتوجيهي مع بقيّة زملائي وعياً وسلوكاً ومهنيّة، وبهذا، يُعدّ رحيله خسارة كبيرة للساحة الصحفية، لكن قصاصات كتاباته، ومدوّناته الصحفية ستبقى ذاكرة خالدة في أرشيف صحافتنا البيئية، وشمعةٌ معرفيّةٌ يستنير بها كل طالب وباحث عن المعرفة. رحل نمر أديب، تلك القامة الإعلامية الإستثنائية، تاركاً معروفه وإحسانه وهويّته الصحفية هي من تتحدّث عنه، رحل عنّا تاركاً فراغاً كبيراً وفجوة واسعة في قطاع الإعلام البيئي، لن يملأها إلا ممّا يزال يتصف بأخلاقيات المهنة الصحفية والحس البيئي المرهف.

يقول الفيلسوف باسكال: "ليس هناك خيرٌ في الحياة إلا الأمل في حياة أخرى، ولا يكون المرء سعيداً إلا بقدر اقترابه من هذا الأمل"، فإذا كان الموت هو النهاية الحتمية التي لا مفرّ من شرب كأسها، فلنجعله، أعني الموت، أملٌ لحياة أخرى مليئة بالسعادة، قد تتحقق فيها بعض من امالنا وطموحاتنا التي لم تسعفنا الأقدار على تحقيقها في الدار الأولى، وإن إختلفت ردود أفعالنا حين يأتينا مثل هذا المصاب الجلّل في من نُحب لنعبّر عن ما تختلجه صدورنا من الحزن والاسى، فما علينا إلا أن نواسي أنفسنا مستنيرين بمقولة الفيلسوف والأديب الفرنسي مونتسكيو: "يجب أن لا نبكي على أصدقائنا، إنها رحمة أن نفقدهم بالموت ولا نفقدهم وهم أحياء".  

رفيق دربي:

سبعٌ وعشرون عاماً من الزمالة، مرّت السنون كومضة برق، أثناء لحظات وداعك الأولى تيقّنت أن (المحبة لا تعرف عمقها إلا ساعة الفراق)، والان وقد جاء اليوم الذي انقطعت فيه همزة الوصل بين روحك ومُحيّاك الباسم المكتنز بهجة وأمل، ها هي ذكريات سنين طويلة من الرفقة والزمالة ستبقى حتماً محفورة في الذاكرة.

مُعلمّي الباسم:

إعلم أن رحيلك يُرهق القلب بالحزن والوجع، ويُدمي الروح، رغم كل ذلك، سأتحمّل مرارة الأيام من دونك، وأعدك بأنني لن أنسى بسمة محياك، ولا همس كلماتك، ولا إسداء نصيحتك التي ما تزال تجري في دمي: "ما استحق أن يولد من عاش لنفسه"، تلك الحكمة التي واضبت على ترديدها مرات ومرات حتى حفظتها عنك عن ظهر قلب، ولن أنسى وفائك وكرم عطاياك، وسأحتفظ بكنز ورصيد معرفتك ومعارفك، وإن فرّقت بيننا صروف الدهر، سيبقى لك في صدورنا قلوب تنبضُ بك، وتحيا بذكر محاسنك، سأبقى مديناً لك بالفضل الكبير في مسيرتي المهنية، ولن أتوقف عن الكتابة لأجلك، وسأواصل حديثي عنك رغم مرارة ذكرى رحيلك.

أخي الغائب الحاضر:

ودّعتك قُبيل سفرك حابساً دموعي املاً أن نلتقي في قادم الوقت ووجنتاي تتبلّل بدموع فرح اللقاء، ألا أن الأقدار "شاءت غير مشيئتي"، فخطفت مشاغل الدنيا مني فرحة اللقاء بك من جديد، وها أنا الان أتحسّف نادماً على التأجيل لأسباب يحق لي أن أتحفّظ على وصفها دون التماس أو إذن مُسبق، الان، أفصح لك بأنه لم يبق لديّ من حيلة إلا أن أصلي وأبتهل للمولى عزّ وجلّ أن يُضمّد روحك الطاهرة فسيح جناته، وأن يُسكنك "داراً خيرٌ من دارك"، وأن يُلهم أبنائك وذويك الصبر والسلوان، أُعاهدك بدعاء لن ينقطع، ومعزّتك ستبقى نابضة ما حييت، وإنا لله وإنا إليه راجعون.  

الجمعة، 9 أبريل 2021

النفايات الالكترونية: مخاطر تبحث عن حلول

تدوين: يحيى السلماني

اليوم، لا يُمكننا أن نتخيّل خلوّ أيّ بيت أو مبنى مؤسسّة من جهاز إلكتروني، كما لا يمكننا أن ننجز الكثير من مُعاملاتنا (شخصية ورسميّة) خارج نطاق المُجتمع الرقمي، فبيوتنا ومؤسساتنا تكتنز بأجهزة الحاسوب الالي، وأنامل أيادينا تنشغل أيّما انشغال بأزرارها، وعيوننا تُحدّق لساعات طوال مُتسمّرة أمام شاشات هواتفنا المحمولة (الموبايلات)، وأذهاننا مهووسةٌ بأجهزة الترفيه الالكترونية بمختلف أنواعها وماركاتها، وإن كان أمرٌ كهذا لا يمكن تخيّله قبيل عقدين من الزمن فقط، فقد أصبح اليوم واقعاً نعيشه ونتعايش مع ضروراته وتطوراته ومُتغيراته المُتسارعة، شئنا ذلك أن أبينا.   

إذن، لا جدال في أن الطلب على استخدام الأجهزة الإلكترونية يتزايد بوتيرة سريعة جداً، وهذه الزيادة هي بدون شك انعكاس مُباشر لمتطلبات الحياة العصريّة في مختلف المجالات: الوظيفية والإجتماعية والتعليمية والتسويقية والصحية والترفيهية وغيرها، ألا أن هذا التهافت على هذه الأجهزة التي أصبحت جزء هام من حياتنا اليومية قد أغفلنا عن البحث في اثارها الجانبية على صحتنا، كما أن هذا التهافت شغلنا عن البحث في مدى أثرها على سلامة عناصر البيئة الطبيعية المحيطة بنا.

تُشير الدراسات البيئية إلى أن هوس استخدام الاجهزة الالكترونية لساعات طويله قد تصل إلى ما لا يقلُ عن ثماني ساعات في اليوم، واستخدام الإنسان المُفرط لهذه الأجهزة يُسهم في زيادة ساعات الأرق وقلّة النوم والشعور بالتوتر، وضعف القدرات الإدراكيّة والدماغيّة. وتُشير تقديرات شركة (فيرجن موبايل)، إلى أنّ أربعة ملايين بريطاني يُعانون من الإلتهابات وضغف حاسّة السمع، بسبب استماعهم المتواصل إلى الموسيقى بصوت مرتفع.

ووفقًاً لدراسة حديثة أجرتها جامعة كامبردج، خلصت نتائجها إلى أن عشرات الالاف من الوفيّات في أوروبا كانت بسبب داء السمنة، وقلة النشاط والحركة بسبب الإدمان على الأجهزة الإلكترونية. وتشير الدراسات إلى إنّ الاستخدام المطوّل للشاشات، يؤدي إلى الإصابة بـ«متلازمة رؤية الحاسوب»، مع أعراض تشمل إجهاد العين، والرؤية المزدوجة وقصر النظر المؤقت، هذا ناهيك عن ارتفاع مستويات العنف عند الأطفال وتناقص حدّة الانتباه.

على المستوى البيئي، أغلب النفايات الإلكترونية إن لم يكن جميعها تحتوي على مركبات في غاية السميّة، فالتقارير العلمية تشير إلأى أنها تحتوي على 60 عنصرًا كيميائيًا مثل الرصاص والزئبق والزرنيخ والكادميوم والبريليوم، كما تحتوي عل كميات من المعادن مثل النحاس والقصدير والفضة والذهب والبلاديوم، وجميعها تتسبب بالضرر الشديد بخصائص الهواء والمياه والتربة والنبات.   

التقرير الصادر عن منظمة الأمم المتحدة يشير إلى أن كمّية النفايات الإلكترونية والكهربائية التي ينتجها البشر سنوياً تبلغ نحو 50 مليون طن، أي نحو تسعة أضعاف وزن الهرم الأكبر في الجيزة. وقد قفز إنتاج الشخص من النفايات الإلكترونية سنوياً من 5.8 كيلوغرام في 2014 إلى 6.1 كيلوغرامات في 2016. ووفقاً لمعدلات الزيادة السنوية الحالية، يتوقع تقرير الأمم المتحدة أن تصل كمية النفايات الإلكترونية إلى 120 مليون طن سنة 2050. وتُسجّل الدول الغنية والمتقدمة أعلى نسب توليد للنفايات الإلكترونية، حيث يتجاوز إنتاج الفرد فيها 20 كيلوغراماً سنوياً. وتذهب غالبية هذه النفايات إلى مواقع التخلص العشوائي، وتتسرب إلى الطبيعة، وإن ما يتم تدويره وإعادة إستخدامه من هذه الأجهزة لا يزيد على 20 في المائة من مجمل الكمية المُنتجة.

أما في البلدان العربية، فتبلغ كمّية النفايات الإلكترونية المولدة سنوياً ثلاثة ملايين طن، ويصل متوسط ما ينتجه المواطن العربي من النفايات الإلكترونية سنوياً إلى 6.8 كيلوغرام، حيث ترتفع النسب في الدول الخليجية، إلى جانب لبنان والجزائر، إلى أكثر من 11 كيلوغراماً في السنة، وهي تقفز في السعودية والكويت والبحرين وسلطنة عُمان إلى أكثر من 15 كيلوغراماً.

على أرض الواقع، تُطبّق أغلب الدول الأوروبية والولايات المتحدة وكندا واليابان برامج لجمع النفايات الإلكترونية وتدويرها، حيث تزيد نسبة الاسترداد في الدول الإسكندنافية على 70 في المائة من كمية النفايات الإلكترونية، وتصل النسبة إلى 22 في المائة في الولايات المتحدة. وتعد سويسرا مثالاً جيداً على كيفية التعامل مع مشكلة النفايات الإلكترونية؛ فرغم ضخامة كمية النفايات الإلكترونية التي تولدها، حيث وصل وزنها إلى 223 ألف طن في سنة 2016 بمعدل 22.2 كيلوغرام للشخص الواحد، فإنها استردت 134 ألف طن من هذه النفايات، أي أن نسبة الاسترداد قاربت 72 في المائة. أما في فئة النفايات الإلكترونية الرقمية تحديداً، كالهواتف الجوالة، فقد وصل معدل التدوير إلى 95 في المائة.

اخر المُحاولات الناجحة لسياسات إعادة التدوير للمخلفات الإلكترونية تأتينا من أستراليا، حيث تمكّن مجموعة من الاستراليين من تحويل المواد الكيميائية التي تحتويها البطاريات المستعملة إلى أسمدة خاصة للمحاصيل والنباتات.

أما عربياً، فلا توجد لحدّ الساعة، تشريعات صارمة خاصة بإدارة النفايات الإلكترونية، وإنما تندرج فقط في إطار القوانين الوطنيّة الخاصة بالنظافة العامّة وإدارة النفايات الصلبة، ألا أنه توجد مبادرات عربية محدودة لجمع وتدوير النفايات الإلكترونية تتبناها في الغالب مبادرات الجمعيات المختصة بقطاع البيئة،  من بين هذه المبادرات على سبيل المثال لا الحصر: إنشاء «مركز التدوير» في مدينة دبي عام 2019 ، الذي يتمكن المختصون فيه من إعادة تدوير ما يقرب من 100 ألف طن سنوياً من النفايات الكهربائية والإلكترونية، وهي بادرة عربية تستحق التقدير والاستفادة منها كتجربة رائدة في هذا المجال.  

ما نود الإشارة إليه هنا هو أن الوضع الذي تعيشه السلطنة لا يقل عن مثيلاتها من دول العالم، خصوصاً وأن السلطنة تتيجه بشكل تدريجي نحو ما يطلق عليه ب"الحكومة الإلكترونية"، وهو ما سيتطلب من المجتمع مستقبلاً، مؤسسات وأفراد، أن يعتمدوا بشكل أساسي على الإجهزة الإلكترونية في تخليص مُختلف مُعاملاتهم اليومية في مُختلف المجالات.

في ظل هذا التوجّه، أليس من المُجدي تدارس بعض من الحلول التي تتبنّاها بعض الدول في مختلف أنحاء العالم؟ لماذا لا يتم البدء في تدشين مشاريع استثمارية للاستفادة من بعض مكونات المواد الإلكترونية التي تتميّز بقيمة اقتصادية. فعلى سبيل المثال: يُمكن إعادة استخدام المعادن الثمينة مثل الذهب والفضة التي تدخل في مكّونات أجهزة الهواتف المحمولة. أليس من المُجدي أن نلحق بركب الدول التي تعمل منذ سنوات على الاستفادة من إعادة تدوير المواد البلاستيكية والزجاج والسيراميك المُستخدم في صناعة الاجهزة الالكترونية؟

 هُنا في عُمان، نرى أنّنا بحاجة ماسّة إلى دعم البحوث العلميّة والبيئية المُتصلة بهذا الشأن، ولا بدّ من تقديم الحوافز والتشجيع على البدء في تدشين مشاريع مُتخصصة لجمع وإدارة النفايات الإلكترونية، ونرى بأنه قد ان الأوان لإعداد برامج توعوية مُكثّفة للتخلص الامن من مثل هذه النفايات السامّة، والإسراع في وتيرة التثقيف الجادّ باثارها السلبية على صحة الإنسان والبيئة. وهو ما سيفتح في ذات الوقت فُرصاً جديدة للابتكار والاستفادة من عناصر هذه المخلفات، ويُسهم مستقبلاً في تنشيط "اقتصاد النفايات" بالسلطنة.   

 


الاثنين، 8 مارس 2021

حاراتنا القديمة ... حالة احتضار!

 

تدوين: يحيى السلماني

تُعدّ الحارات العُمانية القديمة إرثاً حضارياً يحكي تفاصيل التاريخ السياسي والاجتماعي والثقافي والمعماري للسلطنة. ما يُميّز هذه الحارات طرازها المعماري المبنيّ بالطين والحجارة والجص، كما تلعبُ أبوابها ونوافذها الخشبية بألوانها الزاهية دوراً كبيراً في إضفاء لمسة جمالية استثنائية لهذه الحارات، فالأبواب والنوافذ العتيقة التي تُزيّن بيوت هذه الحارات وحصونها وقلاعها ومساجدها وأسواقها التقليدية أصبحت مقصداً حيوياً للسوّاح ومُحبيّ اكتشاف أسرار التراث المعماري  العُماني من مختلف دول العالم.

اليوم، هذه الحارات يُخيّم عليها الهدوء، أبوابها التي ما تزال تحتفظُ بزينتها متاكلة، و "مراجيمها" موصدة، وأزقتّها خاوية، وأعمدتها تتهاوى، وأقواسها وجدرانها وأسقفها تتساقط، ناهيك عن أن غالبيّتها تحولّت إلى مساكن و"مخابئ" للعمالة السائبة، وساحاتها "معقّات" للنفايات، حدث كُلّ ذلك بعد نزوح أهالي هذه الحارات إلى مواقع لأحياء سكنية حديثة، تاركين خلفهم عشرات الحكايات لتُروى، ومئات الذكريات لتُوثّق، وإرثاً حضارياً ومعماريّاً يستحقُ العناية بتفاصيله، والالتفات إليه.    

أول ما يلمحه زائر هذه الحارات أبوابها التي تمتاز بثقل وزنها وتنوّع ألوانها، وتباين زخارفها ونقوشها الخشبية الرائعة، فأبواب المداخل الرئيسية لهذه الحارات وحصونها وقلاعها ومساجدها مُصممّة بشكل يتوافق مع مُعطيات الوضع السياسي والاجتماعي السائد خلال الحقب التاريخية القديمة التي تمتدّ لمئات السنين. وهو انعكاس لما شهدته السلطنة في مُختلف مناطقها من الصراعات السياسية والمُتغيرات الاجتماعية. ولهذا، تعكس هذه الأبواب حالات التغيّر هذه، فأبواب مداخلها الرئيسية التي تتزيّن بها واجهات هذه الحارات تتميّز بوجود باب أصغر حجماً تُقاس بنصف قامة الإنسان تقريباً، توفّر هذه الأبواب الأصغر حجماً مدخلاً ومخرجاً للأفراد حسبما يأذن حارس الحارة أو البيت أو الحصن بذلك، كما يُعدّ هذا النوع من الأبواب أحد الأساليب التي كانت تُتّبع خلال تلك الحقبة بهدف تشديد الحراسة وتأمين الرقابة الرصينة للدفاع عن أهالي الحارات أو ساكنيّ الحصون والقلاع، وبهذا الأسلوب يتجنّب الناس أي هجوم مُفاجئ. كما يُراعي في تصميم الأبواب الوضع الاجتماعي، حيث يحرص مُصمّم الأبواب على وضع مطرقتين على كل باب، إحداهما صغيرة والأخرى كبيرة. عندما يتم الطّرق باستخدام الطرقة الصغيرة يفهم أهل البيت أنها امرأة، فتقوم سيدة البيت بفتح الباب لها، أما عندما تستخدم الطرقة الكبيرة يُفهم أن الآتي هو رجل ليقوم رجل ويفتح له باب البيت. وهذا الأمر سائد في بعض الحارات القديمة في بعض الدول الإسلامية من بينها تُركيا على سبيل المثال لا الحصر، وهو أمرٌ قد وقفت عليه شخصياً خلال زياراتي المتوالية لهذا البلد العريق بتعاقب حضاراته الإنسانية.      

حسب المصادر التاريخية، أن أخشاب هذه الأبواب والنوافذ كانت تستورد من الهند وشرق أفريقيا. وهو مؤشّر لإزدهار الشق الاقتصادي بين السلطنة وهذه الدول، ويُعتبر خشب الساج أشهر أنواع الأخشاب المُستخدمة في مُختلف الحارات القديمة، ويُصنّف هذا النوع من الأخشاب بأنه خشب قويّ يُمكنه مُقاومة الحرارة والرطوبة ومُختلف التغيرات المناخية لأوقات وفترات طويلة، كما أنه مُقاوم للنمل الأبيض الذي عادة ما يتسبّب في تهميش المواد الخشبية، وتفادياً لذلك، فقد استخدم العُمانيون زيوت الأسماك تُطلى بها الأخشاب المستوردة لضمان استخدامها لفترات طويلة.

وتحظى الأبواب مكانة هامة في الحضارة والثقافة العُمانية. فغالبيّة الأبواب الخشبية بهذه الحارات والحصون والبيوت تتميّز بزخارف ونقوش قلّما نجدها في أماكن أخرى، ويمكن لزائر هذه الحارات أن يلفت نظره أن لكل باب هويتهُ الخاصة به، فأبواب بيوت العائلات المُثقّفة تتزيّن بالايات القرانية وعبارات أدبية وشعرية، وتُنقش على واجهاتها عبارات الترحيب، كما تُوّثق بها تواريخ بناء بعض من هذه المنازل. ويمكن لزائر هذه الحارات مُلاحظة بعض النقوش الخشبية على العتبات العُلوية للأبواب العُمانية، ومن بين النقوش السائدة رسومات أشجار النخيل والزهور التي تم نحتها بمهارة عالية خصوصاً على أبواب المداخل الرئيسية، كما تُرصّع بعض الأبواب بمسامير برونزية وحديدية مُزخرفة بأشكال مُتداخلة.   

المصادر تشير إلى أنه توجد بالسلطنة أكثر من ألف (1000 ) حاره، وخمسمائة (500 ) قلعة وحصن. يعود تاريخ بعضها إلى حقبة ما قبل الإسلام. وقد تم إدراج بعض منها في قائمة التُراث العالمي (اليونسكو). وبرغم من أن معظم هذه الحارات تُعاني منذ زمن من الإهمال بعد أن هجرها سُكّانها، ألا أن هُناك بوادر شخصية بدأت تطفو على السطح، حيث بادر في السنوات الأخيرة عدد من العمانيين بترميم بعض من البيوت في الحارات القديمة واستثمارها سياحياً، وهو مؤشّر إيجابي نتمنى من جهات الإختصاص دعم وتبنّي مثل هكذا مبادرات تصبّ في بوتقة الحفاظ على تُراث الوطن، وتُثري بالتالي الواجهة السياحية، وتخدم الصالح العام، وحاراتنا القديمة ستظّل تواقّة لترحّب بكل من يأتيها قاصداً ليُطرق أبوابها الموصدة فيدخل الفرحة بين زقاقها العتيقة، وينشر البهجة بين جنبات غرفها ومجالسها ومختلف مرافقها.           

 

 

 

خور الملح موطن الذهب الأبيض

  تدوين: يحيى السلماني مع بداية فصل الصيف التي تمتد من مايو حتى شهر أكتوبر تنشط وتيرة انتاج الملح بالطريقة التقليدية في ولاية قريات. وبنهاية...