تدوين: يحيى السلماني
أضحت صناعة البلاستيك من الصناعات الهامة التي تحظى
اليوم بانتشارٍ واسعٍ سواء في البلدان الصناعية أو النامية، ومنذ فترة، ليست
بقصيرة، راجت فكرة استخدام المتسوقين للأكياس البلاستيكية لحمل بضائعهم
ومشترياتهم، ويعود سبب انتشارها الواسع لتميزها بخواص فريدة، كرخص ثمنها، وخفة
وزنها، ومقاومتها للتآكل، كما أنها تتميز في ذات الوقت بصلابة عالية، وعلى الرغم
من المزايا العديدة – الانفة الذكر- التي تحظى بها هذه المادة التي أكسبتها مكانة
متميزة بين مختلف المنتجات الصناعية الأخرى، ألا أن لها في المقابل أثرا واضحا في
تلويت البيئة يرجعها المختصون إلى عدة عوامل أهمها: أنها تسهم في تصاعد الغازات
والعوالق الصلبة الخانقة والسامة عند صناعتها وحرق مخلفاتها، كما أن مادتها التي
يطلق عليها "البوليمرات" صعبة التحلل، فهي تحتوي على مواد كيميائية
خطيرة تضر بصحة الإنسان والبيئة.
وتشير آخر التقارير العلمية التي نشرتها الصحافة العربية
والدولية إلى أن حجم الكميات المستخدمة في التعبئة والتغليف من المواد البلاستيكية
تبلغ 40 % من جملة الكميات المستهلكة سنويا، وتقدر الإحصائيات الدولية - كما
أوردتها مؤخرا مجلة "البيئة والتنمية" اللبنانية - نحو 500 مليون إلى
مليار كيس بلاستيكي تستعمل يوميا في أنحاء العالم في كل عام، أي بمعدل مليون كيس
في كل دقيقة ولا يعاد تدويرها إلا بنسبة أقل من واحد في المائة، وبهذا تنتهي
بلايين من المخلفات البلاستيكية في البحار والأنهار وتتحلل في التربة، وهي بهذا
تسهم في إبادة عشرات من الأنواع الأحيائية، مشكلة عبئا بيئيا كبيرا نجد من الضروري
جدا الحد من خطورته. فالمؤشرات العلمية الحديثة تؤكد أن 100 ألف سلحفاة وغيرها من
الكائنات البحرية تموت سنويا بسبب الأكياس البلاستيكية فقط.
وفي ظل التزايد المطرد لاستخدام واستهلاك المواد
البلاستيكية، تنامي مؤخرا الوعي عند بعض المؤسسات بحجم المشكلة البيئية الناتجة عن
النفايات البلاستيكية، حيث أصدرت حكومات عدد من الدول الأوروبية قرارات حاسمة تمنع
استخدام الأكياس البلاستيكية الرقيقة، ففرضت إيرلندا –على سبيل المثال- منذ عام
2002 ضريبة تقدر بربع يورو على استخدام كل كيس، وهو ما أدى إلى التقليل من استخدام
الأكياس البلاستيكية بنحو 95 %، أما في بريطانيا، فقد بدأت عددا- لا بأس به- من
المجمعات التجارية تخصيص حاويات أمام مداخلها ومخارجها تحث المستهلك (المتسوق) على
وضع مخلفات الاكياس البلاستيكية بها لإمكانية إعادة استخدامها وتدويرها، من بين
هذه المحلات على سبيل المثال لا الحصر، التي لفتت انتباهنا أثناء تواجدنا في مدينة
شيفيلد البريطانية، محلات "تيسكو" و"اسدا"، وهو ما يشجع اليوم
مجموعة كبيرة من البريطانيين إصطحاب سلات قماشية (حقائب مصنوعة من القماش) خاصة
بهم لوضع مستلزماتهم الشرائية بها أثناء تسوقهم، كبديل لاستخدام الأكياس
البلاستيكية، كما تعرض محلات "سنسبوري"
المشهورة للمتسوقين أيضا حقائب قطنية تحمل شعار "لست كيسا بلاستيكيا"،
في محاولة للترويج لفكرة "المستهلك الأخضر".
وفي المقابل تشارك الدول غير الصناعية (النامية) أيضا
بفاعلية للترويج لفكرة "الإستهلاك ألأخضر"، ففي كينيا، التي تنتج نحو
400 طنا من أكياس البلاستيك الرقيقة شهريا، دعت دراسة لمعهد أبحاث وتحاليل السياسة
العامة في مدينة نيروبي إلى أنه "يجب حظر أكياس التسوق البلاستيكية الرقيقة،
وفرض ضريبة مرتفعة على الأكياس السميكة لتخليص كينيا من تهديد بيئي وصحي
متزايد". وفي بنجلاديش فرضت الحكومة في عام 2002 حظرا رسميا لاستخدام جميع
أكياس البلاستيك الرقيقة، بعد أن أثبتت الدراسات البيئية المتصلة بالوضع المناخي
في بنجلاديش بأن النفايات البلاستيكية ساهمت إسهاما كبيرا في حدوث الفيضانات التي
شردت ألالاف من مواطنيها في أواخر التسعينيات، حيث كانت الأكياس البلاستيكية - على
حد تأكيد دراساتها المناخية- السبب الرئيس في سد فتحات أنابيب تصريف مياه الأمطار
بها.
من جانبها، تعزز المنظمات العالمية أيضا هذا الدور، حيث
بدأت بعض المؤسسات إدراك القيمة الفعلية للمبادرات البيئية في هذا الخصوص، وذلك
بتشجيع جميع المؤسسات والأفراد لاتباع فكرة "الاستهلاك الأخضر"، ففي عام
2004 منحت المنظمة العالمية لحماية الملكية الفكرية (الوايبو) العالمة الهندية
"ألكازاد" براءة اختراع لابتكارها وسيلة جديدة تستطيع من خلالها تحويل
النفايات المصنعة من المواد البلاستيكية إلى وقود، مما يساعد على التخلص من هذا
النوع من النفايات وحماية البيئة من التلوث، ويوصف الباحثون في مجال البيئة هذا
الاختراع الذي بدأت العالمة الهندية البحث فيه مند عام 1995 ب"الثورة
التقنية" في عالم حماية البيئة من النفايات البلاستيكية
أما على المستوى العربي، فبكل الأسى والأسف، رغم تأكيد
الدراسات البيئية بأن العرب يستهلكون مايقدر ب 25 بليون كيسا بلاستيكيا في كل عام،
ألا أنه لا توجد حتى الان أية رؤية علمية جادة أومبادرات بيئية حازمة للتخلص من
مخلفات هذه الأكياس بشكل صحي وامن، فجهود الجهات المسئولة عن البيئة فيها تقتصر
على صف االإقتراحات وإعلان التوصيات، ففي شهر يونيو من عام 2008 م، أكدت الندوة
العربية لتدوير المخلفات البلاستيكية فقط على أهمية إيجاد منظومة متكاملة لإدارة
المخلفات البلاستيكية، دون تحديد أي كيفية عملية لتنفيذ هذه التوصية.
على المستوى الوطني، فمن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن
السلطنة ممثلة بوزارة البيئة والشؤون المناخية لم تغفل هذا الجانب، حيث وضعت شروطا
واعتبارات لا بد من التقيد بها أثناء الشروع في تتنفيد أي مشروع يتصل بصناعة
البلاستيك، من بينها ضرورة الحصول على موافقة بيئية من الوزارة والتأكد من سلامة
المشروع على البيئة والصحة العامة قبل البدء في تشغيله، ويؤكد دليل إجراءات الحصول
على التصاريح البيئية الصادر عن الوزارة وجوب تخزين المواد الكيميائية في مخزن
تتوفر فيه إجراءات الأمن والسلامة الكيميائية، ولم يقتص الدور الوطني في هذا
المجال على المؤسسات الرسمية فحسب، بل تعداه ليشمل أيضا القطاعات الأهلية، فعلى
سبيل المثال لا الحصر بدأت جمعية البيئة العمانية بدور عملي ونشط في هذا المجال، حيث
قامت مؤخرا بتوفير "أكياس قماشية" يمكن لجميع المتسوقين بالسلطنة
اقتنائها أثناء عملية التسوق، ألا أن اللافت للنظر أن المتسوق لا يزال يخرج من
مراكز التسوق المنتشرة في ربوع السلطنة بأكياس بلاستيكية، بأحجام مختلفة وألوان
متنوعة، ظانا بأنها الوسيلة الوحيدة التي تعينه على حمل مستلزماته الشرائية، غير
مدرك لخطورة ما ستخلفه هذه الأكياس مستقبلا من اثار صحية وبيئية جسيمة
نتسائل: ألم يحن الوقت بعد لاتباع فكرة حمل
"الحقيبة القماشية" أثناء التسوق؟ باعتبار أنها الوسيلة المثلى للمشاركة
في تفادي خطورة المخلفات البلاستيكة في المستقبل!!! وبعد كل هذا الطرح، ألا يحق
لنا التنبيه أيضا بخطورة هده المادة التي نداوم على استخدامها بشكل يومي غير
مدركين خطورتها البالغة على صحتنا ومستقبل بيئتنا؟!!
نرى أن جميع الجهود التي تبذل لتفادي خطورة النفايات
البلاستيكية تأتي في الوقت المناسب في ظل تزايد استخدامنا اليومي لها، فهذه الجهود
تنم أولا عن وعي المؤسسات بمختلف فئاتها وجنسياتها بمفهوم "المسئولية
البيئية"، وهي جزء لا يتجزأ من المسئولية الإجتماعية التي تسهم – بلا شك- في
رفع درجات الوعي بالجوانب السلبية (الضارة) لهذه المادة، كما أنها، ثانيا، تدعم
الجهود الرامية إلى اتباع مقاييس ما يطلق عليه ب"الإشتراطات البيئية"
التي تهدف إلى حماية بيئتنا من التلوث وصون مواردها من الإستنزاف، وهي توفر،ثالثا،
ملايين الدولارات التي تنفقها المؤسسات الحكومية والأهلية للتخلص من هذا النوع من
النفايات للإستفادة من مخصصاتها المالية لتحقيق مشاريع بيئية جديدة، وتدعم
الدراسات العلمية التي تحاول التقصي والبحث عن أساليب متطورة وطرق علمية جادة تسهم
في الحد من خطورتها الصحية على الإنسان والبيئة المحيطة به
كما لا بد أن نشير هنا إلى أهمية إيجاد منظومة عربية
متكاملة لإدارة المخلفات البلاسستيكية من خلال توفير بنية تكنولوجية تعتمد على
التصنيع الصديق للبيئة واتباع اساليب امنة للتخلص من مثل هده المخلفات، وفي الوقت
الذي ننتهي فيه من صياغة هذا المقال، نبقى متأملين مساهمة المواطن والمقيم على أرض
السلطنة للتقليل من حجم النفايات البلاستيكية، ومترقبين – في نفس الوقت- لبوادر
الإسهام العربي في هذا الشأن!!!
مقال جميل جداً
ردحذف