السبت، 28 مارس 2020

لعلّي إلى من قد هويتُ أطيرُ ...!

الوروار أحد الطيور المقيمه بالسلطنة (عدستي)


 تدوين: يحيى السلماني
مشاهدة الطيور هي إحدى الهوايات التي شُغفتُ بممارستها منذ ما يقرب من عشرين عاما. هواية فتَحت ليّ الباب على مصراعيه لسبر أغوار عالم حياة الطيور المليء بالأسرار، وتأمّلي لهذه المخلوقات الرائعة، جرّني إلى البحث عن قيمتها الأدبية في مساقات الأدب العربي. ومن يتنزه بين هذه المساقات، يجد أن أُدبائنا قد حقّقوا السبق لتوفير مكانة أدبية خاصة للطيور قبيل أن يمارس عالمنا "المتحضّر" هواية مشاهدتها التي بدأت في بريطانيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ثم لحقت بها بقية دول العالم.   
ببساطة متناهية، لا يمكنني وصف شعوري عند مراقبتي لحركات الطيور، والإصغاء إلى أصواتها، وتفحّص أجناسها، والتدقيق في تفاصيل ألوانها الزاهية، لا سيّما عند مشاهدتي لبعض منها للمرة الأولى. سنين طويلة قضيتُها حاملاً الة التصوير  وأدوات عدسات التقريب التي تُعينني على مشاهدة الطيور بأريحيّة، وما أزال "أتأبّط" بعض الكتب التي تمدّني بمعلومات دقيقة عن أنواع الطيور الشائعة في عُمان. طالما جرّتني هذه "الرياضة العلمية" إلى تدوين أسماء الطيور التي شاهدتها، ومع مرور الأيام، تزداد مُتعة ممارستي لهذه الرياضة تألقاً، وتزدان بالتالي قائمة مدوّنتي الورقية بعشرات الأسماء من الطيور  شائعة كانت أم نادرة، مهاجرة أم مُقيمة. ومع ممارسة البحث عن مواصفات وبيئات كل طائر، تنامت خبرتي وتحسّنت معرفتي. كل هذا، يُسّهلُ عليّ الان التعرف على أنواع الطيور وألوانها ومواسم تزاوجها فور مشاهدتها دون الرجوع في كثير من الأحيان إلى الدليل الذي بتُ أتعمّدُ حمله في كل جوله أقوم بها.   
اليوم، أضحت عدستي المتواضعة تُدرك، أكثر من أي وقت مضى، أنه مع اقتراب فصل الشتاء، تبدأ "تباشير"  الطيور  بالتحليق على قمم الجبال، وتصدحُ بنغماتٍ لحنيةٍ رائعة بالقرب من العيون المائية وعلى ضفاف الأودية الجارية، وتتنّزه فرحة بين أغصان الأشجار الوارفة والزهور اليانعة. تُشكّل بعضها، كطيور البلابل والسنونو والنورس وزقزاق السرطان والفلامنجو أسراباً كبيرة تُرفرف في فضاءات بحريةٍ وبريةٍ منتظمة، ساعية بفطرتها التي وهبها الله إيّاها إلى تأمين ما يسدُ رمقها من مأكلٍ أو مشرب. ومن تُواتيه الفرصة لمراقبة ومشاهدة وتصوير الطيور سيتعلم الكثير عن غرائب هذه الكائنات، وسيكشف دورة حياتها، وكيفية حماية نفسها، والإستماتة في الدفاع عن صغارها عندما تتعرض للهجوم أو الصيد. باعثة رسالة فطرية مفادها: "ما استحق أن يولد من عاش لنفسه".
ولتضمن هذه الكائنات حياة أنعم، لا يتردّد بعضها، مثل الصقور السخامية، من الهجرة لمسافات طويلة جداً دون أن تفقد مسار هجرتها عند العودة إلى أرض الوطن، وهو ما يعدُ أحد الأسرار التي تتصف بها هذه الكائنات الوديعة. وفي شأن هجرتها، تشير البيانات العلمية "أن أنواعاً من الطيور المهاجرة «ترى» بصمات تغلغل المجال المغناطيسي للأرض على الوديان والأشجار والبراري، بعد أن تتعرف على أدق تغيرات هذا المجال بين تضاريس الأرض والطبيعة". كما وجد بعض الباحثين الألمان أن لدى الطيور  المهاجرة ليلاً  "خلايا شبكية العين ترصد المغناطيسية المتغلغلة بين الاشجار والصخور "، لتعينُ نفسها على تتبع المسار الذي تقصده. وتُشير الدراسات التخصصية إلى أنّ تواجد الطيور، يُعطي مؤشراً  جيداً على صحة وسلامة البيئة التي نعيش نحن من خيرات مواردها الطبيعية، كما أنها تلعب دوراً كبيراً في إيجاد "التوازن البيئي". فتسهم بطبيعتها في الحد من الآثار الصحية التي قد تتسبب في الضرر بالانسان والبيئة المحيطة به. وهي تُضفي، في ذات الوقت، لمسة جمالية على البيئة التي تعيش وتتكاثر بها.
ممارستي لهوايتي المشاهدة والتصوير الفوتوغرافي ساقني إلى البحث عن قيمتها الأدبية التي "تختبئ"، إن صح التعبير، على أرفف مكتباتنا الأدبية. وممارستي لهذه "الرياضة العلمية"، قد أشعل في نفسي جذوة الحماس لأتحسّس "القيمة الأدبية" للطيور . فخلال عمليتيّ "المراقبة والتصوير"، وعندما تنوءُ ساقي في أحيان كثيرة من التعب، يثير شجو الطيور  ذاكرتي الأدبية. وهو ارتباط ملتصقٌ، ربما، ب"مزاجٍ مشرقيٍ" تجذّر  بي منذ نعومة أظافري. فطفولتي، كما أرادها والدي رحمة الله عليه، كانت زاخرةٌ بقراءة الشعر العربي الفصيح، وهو ما يعكس اليوم مدى إرتباط الشعر  وبقية الفنون الأدبية بصفحات حياتي اليومية.
غير مرة، وأنا أتأمّلُ طيور عُمان الزاهية لأجد نفسي قد طربتُ لنبرة ألحانها الهادئة، فأغادر صمتي ثم أستوقف "مضطراً" حركتيّ "الترقّب والتصوير" مردّداً أبياتاً شعرية حفظتها عن ظهر قلب منذ زمن...! إن أنسب ما استذكره هنا هو ما شدا به قيس إبن الملوح "مجنون ليلى" عندما زاد به الشوق "حداً لايطيقه"، فيقول في أبياتٍ قد خطّها والدي رحمة الله عليه بمداد قلمه على بطن الغلاف الداخلي لديوان "جواهر الأدب" الذي ما زلت محتفظاً بنسخته حتى اليوم:     
بكيتُ على سرب القطا إذ مررن بي، فقلتُ ومثلي بالبكاءِ جديرُ
أسرب القطا هل من يعيرُ جناحهُ ؟، لعلّي إلى من قد هويتُ أطيرُ
ومن يدري، لعلّ والدي رحمةُ الله عليه، الذي عاش طيلة حياته "مهووساً" بقراءة الشعر العربي الفصيح، قد عادت به الذاكرة ذات يومٍ ليجتاز حواجز الصمت، فاستذكَرَ  أطيافٍ من أيام صباه وشبابه الباكر، وهو ما حدا به تدوين هذه الأبيات التي تمتزج شوقاً وحنيناً، ملتمساً من طيور  القطا التي تتنزه في وسط مراعي المزارع المكتضة بأشجار النخيل التي تحيط بمنزله أن تَعرهُ جناحاً علّهُ يتمكّنُ من الطيران ليُناجي "سلوة خاطره...!".  
وفي ذات السياق، استعطفني، غير مرة، استجداء طائر  جريح بعدما عُصف"برصاصة" صيد جائر، لم أملك ساعتها إلا أن أُتمتمُ بما تغنى به أمير الشعراء، أحمد شوقي، الذي أنشد بعد أن سمع سجع قمرية فظنّها تشكو حزناً مثله:
بي مثلُ مابكِ ياقمرية الوادي، ناديتُ ليلي فقومي في الدُجى نادي
وَأَرسِلي الشَجوَ أَسجاعاً مُفَصَّلَةٌ، أَو رَدِّدي مِن وَراءِ الأَيكِ إِنشادي
 لا تَكتُمي الوَجدَ فَالجُرحانِ مِن شَجَنٍ ، وَلا الصَبابَةَ فَالدَمعانِ مِن وادِ
تَذَكَّري مَنظَرَ الوادي وَمَجلِسَنا، عَلى الغَديرِ كَعُصفورَينِ في الوادي
 وَالغُصنُ يَحنو عَلَينا رِقَّةً وَجَوىً، وَالماءُ في قَدَمَينا رائِحٌ غادِ
ومن يتبّحر  في البحث عن التفاف فنون الأدب العربي بالطيور، لا يفوته التطرق إلى ما تغنّى به أبو فراس الحمداني عندما سمع هديل حمامة وهو في أسره تنوحُ على غصن شجرة، فأنشد مهموماً:
أَقولُ وَقَد ناحَت بِقُربي حَمامَةٌ أَيا جارَتا هَل تَشعُرينَ بِحالي
مَعاذَ الهَوى ماذُقتِ طارِقَةَ النَوى وَلا خَطَرَت مِنكِ الهُمومُ بِبالِ
أَتَحمِلُ مَحزونَ الفُؤادِ قَوادِمٌ عَلى غُصُنٍ نائي المَسافَةِ عالِ
أَيا جارَتا ما أَنصَفَ الدَهرُ بَينَنا تَعالَي أُقاسِمكِ الهُمومَ تَعالَي
تَعالَي تَرَي روحاً لَدَيَّ ضَعيفَةً تَرَدَّدُ في جِسمٍ يُعَذِّبُ بالِ
أَيَضحَكُ مَأسورٌ وَتَبكي طَليقَةٌ وَيَسكُتُ مَحزونٌ وَيَندِبُ سالِ
لَقَد كُنتُ أَولى مِنكِ بِالدَمعِ مُقلَةً وَلَكِنَّ دَمعي في الحَوادِثِ غالِ
ففي وحدته، لم يجد أبو فراس أجدى من تسخير قريحته الشعرية ليفضفض عن همّه مع تلك الحمامة التي استأنس الحديث معها، بعد أن قرّر أنه "سيمضي لما لا يعيبه"، أي أنه فضّل الأسر على حياة الهوان والمذله، وقد نالت أبياته هذه شهرة واسعة في الوسطين الأدبي والفني (الغنائي).  
ولا تقتصر الإشارة إلى الطيور في أشعار الشوق أو الحنين والغزل، بل لامست الطيور أيضاً أناشيد الابتهال والمناجاة، وليس أصدق على ذلك من محتوى القصيدة الخالدة لسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه التي يقول فيها:
النفس تبكي على الدنيا وقد علمت، أن السعادة فيها ترك ما فيها
لا دار للمرء بعد الموت يسكنه، إلا التي كان قبل الموت بانيها
فإن بناها بخير طاب مسكنه، وإن بناها بشر خاب بانيها
والطير ُتجري على الأغصان عاكفة، تُسّبح الله جهراً في مغانيها   
كما ترافق الطيور شعرائنا في المهجر، فها هو "شاعر الطلاسم" إيليا أبو ماضي يدعو الإنسان في غربته بالتفائل، والاستمتاع بجماليات الحياة في الأرض والسماء "وما بينهما"، متّخذاً الطيور مثالاً حيّاً وقدوة صادقة للحياة الهانئة البعيدة عن التململ والتذمّر  حتى عندما تضيق بنا الحياة، نقتطف من قصيدته:
وإذا ما أظلّ رأسك همّ،  قصّر البحث فيه كي لا يطولا 
أدركت كنهها طيور الرّوابي،  فمن العار أن تظل جهولا 
ما تراها والحقل ملك سواها،  تخذت فيه مسرحا ومقيلا 
تتغنّى، والصّقر قد ملك الجوّ  عليها ، والصائدون السّبيلا 
تتغنّى، وقد رأت بعضها يؤخذ  حيّا، والبعض يقضي قتيلا 
تتغنّى ، وعمرها بعض عام،  أفتبكي وقد تعيش طويلا؟ 
فأطلب اللّهو مثلما تطلب الأطيار  عند الهجير ظلاّ ظليلا 
وتعلّم حبّ الطلّيعة منها،  واترك القال للورى والقيلا 
فالذي يتّقي العواذل يلقى،  كلّ حين في كلّ شخص عذولا 
أنت للأرض أولاً وأخيراً،  كنت ملكا أو كنت عبدا ذليلا 
لا خلود تحت السّماء لحيّ  فلماذا تراود المستحيلا ؟ 
كلّ نجم إلى الأقوال ولكنّ  آفة النّجم أن يخاف الأفولا
أيّها الشاكي وما بك داءٌ كُن جميلاً ترى الوجود جميلا   
وبعد رحلة "الترقب والتصوير"، وعند عودتي أدراجي للمنزل، أجد نفسي وحيدا غارقا في غيم ذكرياتي، ولطالما استرجعت ذاكرتي "نشيد البلبل" الذي كان يدرس في الصفوف الأولى للمرحلة الإبتدائية:  
قد كان عندي بلبل، حلو طويل الذنب

أسكنته في حجرة، في قفص من ذهب

ولم أكن أمنعه، من مأكل أو مشرب

ففر مني هاربا، من دون أدنى سبب

وقال لي: حريتي، لا تشترى بالذهب
هذا النشيد الجميل يصنف في باب "أدب الطفل"، وهو يحمل بين طياته معانٍ راقية عميقة، صيغت بكلمات سهلة، وبأوزان خفيفة، وحديث الشاعر هنا عن علاقته الحميمة بهذا الطائر الجميل واعتنائه به، يعطي رسالة واضحة تبين أن استقلالية الإنسان والطائر وحريتهما هي أثمن من كل عطايا الدنيا.
في طفولتي، خصوصا في أيام الصيف، وبعد أن تطوى صفحة من عامنا الدراسي، كنت أقضي معظم وقتي في المزرعة المجاورة، تارة أراقب سلوك الطيور، وتارة أطاردها، وفي حالات أخرى قد يجرني اللهو إلى منازعة الطيور في أعشاشها، إنه زمن البراءة والشقاوة، نتمتع وقتها بصفاء الذهن، فنألف الدروب والأزقة الضيقة التي تطوف بمنحنياتها بنا بين المزارع، نتشبث بتربتها، ونستمتع بمعطيات الطبيعة التي تحظى بها،  أستذكر هنا: "صوت الهزار على أغصان أيكتها، يغنيك عن صوت قيثار وأعواد"
  وكم لشقاوة أيام تلك المرحلة من شجون وتباريح! فاليوم عندما أقترب من باحات تلك المزارع التي تتظلل بأشجار النخيل والمانجه أشعر بغربة شديدة، فلا أرى نفسي إلا واجما حزينا، لا أملك إلا أن أردد أشعارَ الحنين والشوق لأهلها ممن توارت أجسادهم تحت الثرى، فأتمتم قول الشاعر:
ثم انقضت تلك السنون وأهلها، فكأنها وكأنهم أحلامُ
من هنا، نرى أن المتتبع للتراث الأدبي، يجدُ أنّ الطيور تُشكّلُ جزءاّ هاماً في دواوين العرب،  وفي ذات السياق، تكتنز الذاكرة العربية في الجانب الاخر بروائع نثرية تبُرهن صدق العلاقة الوثيقة للطيور وأهميتها بالأدب العربي، نستذكر هنا، على سبيل المثال لا الحصر، "الحمامة المطوقة" في كتاب كليلة ودمنة، و"طوق الحمامة" لأبن حزم الأندلسي، كما أن الجاحظ في كتابه «الحيوان» قد سجّل أن "أروع ثلاثة أشياء في الدنيا هي البومة والكركي ومالك الحزين الذي يرقب الماء خلال تراجع مد البحر، وهو يخشى أنه قد ينحسر عن وجه الأرض، ممّا جعل دموعهُ تقطر حزناً". وتؤكّدُ الدراسات الأدبية أن سبب اهتمام الجاحظ بالحيوانات "لأنه يرى فيها جوانب من شخصية الإنسان الذي يجمع باعتباره صورة مصغرة للكون بكل سماته وخصائصه".  أمّا قصص «ألف ليلة وليلة» فيتضمن محتواها "عروساً تسير متبخترة مرتدية ثوباً محلّى بالذهب تتألّقُ فيه جميع أشكال الطيور والحيوانات باستخدام الأحجار الكريمة في موضع عيون الحيوانات والطيور"، في دلالة على أن الطيور تمثل جزءاً هاماً من السرد القصصي.
كما لامست الطيور مضامين أخرى في النثر العربي، وأدلّ مثال على ذلك ما ورد في خطبة عبدالحميد الكاتب عندما رسل رسالة لأهله وهو منهزم مع مروان، يقول فيها: ".... إن الله تعالى جعل الدنيا محفوفة بالكره والسرور ، فمن ساعده الحظ فيها سكن إليها، ومن عضّته بنابها ذمّها ساخطاً عليها، وشكاها مستزيداً لها، وقد كانت أذاقتنا أفاويق استحليناها ثم جمحت بنا نافرة، ورمحتنا موليّة، فَمُلح عذبها، وخشن لينها ، فأبعدتنا عن الأوطان ، وفرقتنا عن الإخوان، فالدار نازحة ، والطير بارحة... ".
من هنا، تجدر الإشارة إلى أن الأمثال العربية تبقى في ذات السياق شاهداً حيّاً يُخلّد ارتباط الطير بالأدب والعكس صحيح. فمن المثل العربي القائل: "الطيورُ على أشكالها تقع"، نجدُ أن هناك من الأمثال ما تُلامس الوجهين السيئ والحسن. ففي السيئ يقالُ مثلاً: "أشأمُ من غراب البين"، أما في الحسن فيقال: " يُغرّد فلان كالبُلبُل". ويقال في الأثر: "ما طار طيرا وارتفع، إلا كما طار وقع"، وهي صفات تلعب فيها أسماء الطيور ومواصفاتها دوراً محورياً لتوضيح الحسن والقبح في حياة الإنسان.   
قطعُ القول، تبقى هذه الباقات الأدبية "ترميزٌ"  جادٌ للذاكرة الإنسانية، فالشواهد على هذا أكثر من أن تحصى، لذا، كل ذلك يتوجبُ أن يُدرس ويُدرّس. فالتراث العربي، بشعره ونثره، يبدو مُزدحماً بالطيور، وهي إشارةٌ صادقةٌ على مستوى العلاقة الحميمية التي يرتبط بها الأدب العربي بعالم هذه المخلوقات التي تحمل من الأسرار ما لم يُكتشف بعد!   
 نبقى فخورين عندما يتناهى إلى مسامعنا بأن هناك ما يقرب من 520 نوعاً من الطيور تتواجد في ربوع السلطنة بين مقيمة ومهاجرة، وهو رقمٌ يؤكّد أن بيئتات السلطنة تستحوذ على إيواء مجموعة كبيرة من أنواع الطيور في العالم. وتعترينا السعادة عندما تُبذل جهات الاختصاص جُلّ جهدها لإنشاء محميات طبيعية ليس لأنها تُسهم فقط في إيواء هذه العناصر الأحيائية الفريدة، بل قد تُلهم أمزجة أدبائنا وتشعل جذوة قريحة شعرائنا فتوفّر لهم "الأرضية" ليعبّروا عن ما تُكنّه خواطرهم وتُخفيه جوارحهم في قالب قصصي مُسرد أو شعري مُلحن. ألا أننا نمتعض ونحس بالألم عندما تُشكّلُ بعض الممارسات، كالصيد الجائر ، والإتجار غير الشرعي بها، و المراوغة، في أحيان أخرى،  لإقامة مشاريع تنموية بالقرب من موائلها الطبيعية دون الأخذ بالاعتبارات البيئية المعتمدة من قبل الجهات الرسمية، خطراً حقيقياً يواجه هذه العناصر الأحيائية الفريدة، وهو ما يتسّببُ حسب مُشاهداتنا ليس في "نرفزة" هواة مشاهدي ومراقبي الطيور فحسب، بل يمتد ذلك "الاستياء" ليصل إلى مبدعينا ومثقفينا من أصحاب الحس المُرهف، ولا نملك عندما تقع عيوننا على مثل هذه الممارسات إلا أن نتعهد باحترام كل التشريعات الهادفة إلى حماية طيورنا من العبث وصونها من الاستنزاف. 
ومع محدودّية هذه المساحة، نستميحكُم عُذراً لنهمس في اذانكم ما ورد على لسان شاعر المقاومة، محمود درويش الذي تخيّر  الحمام رمزاً لقصيدته:
يطيرُ الحمام، يحطُ الحمام
أعدّي لي الأرض كي أستريح
فإني أحبك حتى التعب
صباحك فاكهة للأغاني وهذا المساء ذهب...!
 
      
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خور الملح موطن الذهب الأبيض

  تدوين: يحيى السلماني مع بداية فصل الصيف التي تمتد من مايو حتى شهر أكتوبر تنشط وتيرة انتاج الملح بالطريقة التقليدية في ولاية قريات. وبنهاية...