تدوين:
يحيى السلماني
منذ
اجتياحها مختلف دول العالم، شكّلت "نازلة" كورونا ظاهرة صحية واجتماعية
واقتصادية ندر حدوثها، وقد كان لقناع الوجه "الكمّامة" رأس الحربة في حرب
"فوضى" اقتصادية و"تشويش" الوعي الصحي أثارا الكثير من الجدل
في الوسطين الإقتصادي والصحي، فهناك من من يحرص على ارتدائه لأنه يسلّم بأنه أحد الأدوات
الأساسية للوقاية من الفيروس وإبطاء إنتشاره، وهناك من يتردّد في ذلك استجابة
للعديد من النصائح التي تُسدي بها العديد من المؤسسات الصحية التي يرى المختصون بها أنه،
أي القناع، "لا يوفّر قدراً يُذكر من الحماية".
أن
الذُعر الذي تسبب به كورونا الذي أضحى ضيفاً ثقيلاً غير مرغوب فيه بكل ما تعنية
الكلمة من معنى، أجبر العالم، بمؤسساته وأفراده، التعلّق بأي "قشّة"
للتمكّن من الفرار من وجع الفيروس والنجاة من براثن الغرق في لجّته القاتلة، وبهذا
تتصدّر "الكمامات" اليوم قائمة النشرات الإخبارية في مختلف المحطات الأرضية
منها والفضائية، فالكمامة التي كانت قبيل زمن تُلازم مكانها في الدواليب، ويُعرض
القليل منها على هوامش أرفف الصيدليات، لم يكن لأحد من المرضى أن يعير لها اهتماما،
أصبحت في عصر كورونا أحد أهم السلع المتداولة بل ندر الحصول عليها في مختلف دول العالم، والكمامة التي
لم تكن، قبيل بضعة أشهر، ذات أهمية اقتصادية لندرة الطلب عليها ولرخص أسعارها،
أصبحت في عصر كورونا سلعة كثر تداولها تغصّ بها أروقة الأسواق "البيضاء والسوداء والرمادية"،
ويتنافس المهربّون والمحتالون على تصنيعها بجودة ضعيفة جداً ويتسابقون على الترويج
لها عبر منصات التوصل الاجتماعي بغية "انتهاز" ظروف المعضلة "المرحلية"
التي تعيشها شعوب العالم دون الأخذ في الحسبان صحة الإنسان الذي بات الضحية رقم
واحد لانتشار هذا الفيروس، فمنذ بداية الأزمة صادرت الجهات الرسمية بالمملكة
العربية السعودية الشقيقة، على سبيل المثال "ما يقرب من مليوني كمامة فاقدة
للاشتراطات الصحية"، وفي باريس، مدينة النور، تم "ضبط 140 ألف كمامه غير
مطابقة للاشتراطات المعتمدة"، والأمثلة على "مصائب قوم عند قوم فوائد" لا تعدّ ولا تحصى.
وفي
الوقت الذي ما تزال المعركة فيه "مُحتدمة" بين فيروس كورونا والإنسان،
نجد بأن هناك دول تحرص على إلزام مواطنيها والمقيمين بها على ارتداء القناع خصوصاً
في الأماكن العامة (وإن وصل الأمر بالنصح مؤخراً في ارتدائها حتى في البيت حسب ما
جاء على لسان وكيل وزارة الصحة بالسلطنة)، لكن في المقابل، هناك دول من بينها بريطانيا
"ما تزال غير مُتحمّسة لفرض ارتداء الكمّامة"، نتج عن كل هذا نوع من "التشويش"
أدى إلى "إبتداع" مقاربات علمية (طبية) جديدة، أصبح فيها قناع الوجه
"الكمامة" نجم المرحلة الراهنة دون أي منافس.
تُشير
التقارير العلمية إلى أن مجموعة من علماء جامعة "كنتكي" بأمريكا "يعكفون
على صنع كمامة طبية لديها خاصية "تغّير اللون"، وتتوفر بها القدرة على «اصطياد» فيروس كورونا و"غربلة"
الفيروس واستبعاده نهائياً"، وتركّز فكرة هذا المشروع على "تزويد غشاء
الكمامة أو طبقاتها بإنزيم يلتصق بالبروتين الدهني الذي يغلّف به الفايروس نفسه،
تمهيداً للنفاذ إلى خلايا المصاب"، ويرون بأن هذا التوجه ستكون له "انعكاسات
إيجابية على أي حرب وبائية قادمة بين الإنسان والفايروسات". وما نزال في
أميريكا، حيث تمكنت مجموعة من العلماء من تطوير أول كمامة في العالم، "تُضيء بمجرد
رصد فيروس كورونا"، وأوضح فريق العلماء من جامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا،
أن هذا الاختراع سيساعد جهات الاختصاص في مكافحة تفشي فيروس كورونا، وقد تم
الاستفادة من تصميم تلك الكمامة في رصد فيروسات
سابقة مثل "إيبولا وزيكا". وتستخدم تلك الكمامات الجديدة "إشارات ضوئية"
عند رصد تنفس أي شخص مصاب بكورونا، ويمكن الاستفادة من تلك الكمامات في المطارات حتى
يمكن إنهاء الإجراءات الأمنية بصورة أكثر سهولة، ويمكن استخدامها أمام مقرات العمل
ولدى الجهات الطبية، كما يبحث العلماء أيضا إمكانية تضمين أجهزة الاستشعار الجديدة
داخل الكمامات نفسها أم يتم تضمينها في السطح الخارجي للكمامات.
وتحت
عنوان "كمامات مُملحّة تذبح كورونا"، أعلن الجراح الجامايكي «ألفريد داويز»
أنه بصدد اكتشاف طريقة بسيطة ورخيصة من شأنها أن توفر واحداً من أكفأ أسلحة الوقاية
ضد الإصابة بعدوى فيروس كورونا المستجد، وهي الطريقة التي لا تحتاج إلا إلى كمية صغيرة
من ملح الطعام. الطبيب وتعتمد فكرته على تصنيع «فلاتر» منزلية مُشبَّعة
بمحلول ملح الطعام واستعمالها مع الكمامات كي «تذبح» الفيروسات، وتُعيقها من التسلّل
إلى الجيوب الأنفية والحلق ثم الرئتين في غضون 30 دقيقة فقط.
في
بادرة أخرى، توصّل باحثون تصنيع كمّامة يمكن معاودة استخدامها، لقدرتها على القضاء
على فيروس كورونا، بحرارة مستمدة من شاحن الهاتف المحمول تستغرق علملية التعقيم به
نحو 30 دقيقة، وبهذه الكمامة الجديدة منفذ للناقل التسلسلي العام (يو.إس.بي) يمكن توصيله
بمصدر للكهرباء مثل شاحن الهاتف المحمول، والذي يمكن أن يرفع حرارة طبقة داخلية من
ألياف الكربون حتى 70 درجة مئوية، وهي مرتفعة بما يكفي لقتل الفيروسات.
لكن
ماذا فعل البعض بعدما نفدت الكمامات الطبية في أسواق بلدانهم، تداولت مواقع التواصل
الاجتماعي صورا لمواطنين صينيين يستخدمون قشر البطيخ والبرتقال وحمّالات الصدر لتغطية
أنوفهم وأفواههم ليفادون بذلك العدوى بفيروس كورونا، وأشار موقع "ديلي ميل"
إلى أن المواطنين الصينيين الذين لم يتمكنوا من شراء الكمامات لنفاد مخزونها من الأسواق،
استخدموا قشور الفواكه مثل البرتقال والليمون وأقنعة مصنوعة من القوارير البلاستيكية
لوقاية أنفسهم من العدوى.
وفي
الوقت الذي يلهث فيه العالم بحثاً عن المستلزمات الصحية المناسبة للتوقّي من مخاطر
فيروس كورونا، تشهد مدن عربية من بينها تونس سباقاً محموماً لتوفير بعضها بمبادرات
فردية تساهم في تعويض النقص الحاد من الكمامات، ففي حي الياسمينات بمدينة بن عروس
التونسية، بادرت إحدى التونسيات بتحويل ورشتها الصغيرة للخياطة إلى مصنع كمامات، وفي
أرض الكنانة دُشّن أكبر خطوط الإنتاج للكمامات بالمنطقة الحرة بمدينة نصر باستثمارات
صينية مصرية، بهدف تخفيف الضغط على مصر والعالم لمكافحة فيروس كورونا المستجد وعلى
رأسه توريد الكمامات.
يُرجّح
البعض أن تاريخ ظهور الكمامة يعود إلى عام 1897م بواسطة الدكتور «أوتو هويبنر» الذي
صنع أول قناع طبي مكون من طبقتين من قماش الشاش، يستخدم خلال إجراء العمليات الجراحية،
وتبيّن من خلال التجربة ازدياد فعاليّة القناع بزيادة عدد طبقات الشاش، وبتقريبه أكثر
للأنف، وقد خضع بعدها لعدة تحسينات في الشكل والتصميم عبر التاريخ حتّى عام 1960م،
فيما ترى دراسات أخرى إن تاريخ صناعة الكمامة
بشكلها القماشي المتعارف عليه يعود إلى القرن التاسع عشر، وقد استخدمت في سنوات بعض
الجوائح الوبائية القديمة من بينها جائحة "الانفلونزا الإسبانية" التي انتشرت
في عام 1917م، وهذا ما يؤكد قطعية أهميتها الصحية.
وإن
كان الجدل ما يزال ساريا على الدور الذي يمكن ان تقوم به الكمامات للحد من فيروس
كورونا، فمنظمة الصحة العالمية تؤكد إلى أن استخدام الكمامة وحده لن يحمي من الإصابة
بفايروس كورونا المستجد، مشددةً على ضرورة الابتعاد عن الآخرين مسافة متر واحد على
الأقل وغسل اليدين جيداً باستمرار، يبدو لنا أن مؤسسات التصنيع الصحي في العالم تشهد
حراكا تنافسيا ساعيا لإحداث "سبق تكنولوجي" في تصنيع الكمامات، وفي
الوقت الذي تتبارى المصانع الطبية فيه للفوز بتحقيق "طفرة تصنيعية" عالمية والحصول على شهادات براءة اختراع جديدة
في هذا القطاع الذي أصبح حيوياً، أضحت الكمّامات الطبية في بقاع أخرى من العالم أيضا
مصدر إلهام لفناني الغرافيتي (الرسم على الجدران)، انتشرت مثل هذه الفنون
التشكيلية في مدن عربية واسيوية وأوروبية، وإن وُصفت الموسيقى "كغذاء للروح" فلم يتوانى عدد من محترفي وهواة الموسيقى من التطوع لعزف مقطوعات موسيقيه للمرضى داخل المستوصفات، وهو ما ينمّ عن مدى تعاطف ممتهني وهواة الفنون مع مصابيّ كورونا.
نصيغ
هذه المُدونة، وإن كانت هذه المؤسسات تمكنت من توفير الكمامات (بجودات مختلفة) ألا
أن أطباء العالم ما زالوا عاجزين عن توفير "الدواء" لهذا "الداء"
العابر للقارات، ونحن نتألم بحرقة لما أصيبت وتصاب به شعوب العالم من مرض وأذى
وفقدان مئات الالاف من البشر لأقاربها وفلذات أكبادها ورفقاء حياتها، ونشعر بالتحسّف
والحسرة ونخن نتابع إستمرارية إنهيار اقتصادات الدول لأدنى مستوياتها، لكن يبدو أن
الامور أصبحت خارجة عن السيطرة، وما علينا إلا أن نواصل الحرص على سلامتنا وسلامة
من حولنا، نضم صوتنا مع كل من يتعاطف مع وضع مصابينا ويمد لهم يد العون لنمنحهم ما
نستطيع من الحب والأمل، وبعد أن عجز العالم وعجزنا نحن حتى "شكى العجز
منّا"، سنظل نتغنى ونحن متفائلين بغد أكثر إشراقاً ونردّد ما ترنم به المتنبي
ذات يوم: "فما يدوم سرورٌ ما سررت به، ولا يرد عليك الفائت الحزن"، والسلامه
للجميع...!