الثلاثاء، 11 أغسطس 2020

"جلّنار" رمز للحياة وفاكهة لأهل الجنة

 

تدوين: يحيى السلماني

قُبيل بضعة أشهر، كانت تجربتي الأولى في غرس شتلة لشجرة الرمان، ففي عصر كورونا، أصبح التفكير بقضاء أوقات الفراغ بشيء مفيد له ضروراته، غرستها دون دراية أو سابق خبرة في علوم الهندسة الزراعية، ها هي اليوم بدأت تزهر وتتلّون أغصانها بألوان حمراء قُرمزية جذّابة، في كل صباح وأنا أراقب نموّ أغصانها وتفتّح زهورها، تسترجع مخيلتي شجرة رمان كبيرة وارفة الظلال، تلك التي كانت تتزين بها واجهة بيتنا في عقد السبعينات من القرن الماضي، تلك الرمانة "المُعمّرة" التي كانت زاهية بزهورها، شهيّة بمذاق ثمارها، ما تزال مُلتصقة بذاكرة شقاوة الطفولة المليئة بالفرح والغبطة. وفي كل صباح وأنا أُراقب "فسلتي" الصغيرة الجميلة، تستحضرُ مُخيلّتي عشرات لمشاهد زياراتي المتوالية لسفوح وقمم الجبل الأخضر، أستذكر أطفاله ونسائه، شبابه ورجاله وهم يتشاطرون الحديث، ويتقاسمون الجهد في رحلتهم الموسميّة لاقتطاف ثمار الرمان في نهاية فصل كل صيف (سبنتمبر _ أكتوبر)، يملؤون أوعيهتم السعفّية والبلاستيكية بثمارها، ثم يفترش بعض منهم أرصفة الطرقات الداخلية المتعرجّة بُغية تسويق حصادهم المُثمر، مُستهدفين الزوّار الذين يقصدون قراهم الجبلية التي تجتذبهم من كل حدب وصوب.

العديد من الدراسات تؤكّد على القيمة الصحيّة والاقتصادية للرمان، ولكن قبيل الخوض في الحديث عن  أهمية هذه القيم، نرتأي إلقاء إطلالة سريعة على قيمتها في التراث الإنساني. في الوقت الحالي، تزدهرُ أغصان شجرة الرمان بالأزهار، وأزهارها هذه التي تتلون بلون قرمزي يُطلق عليها إسم "جلنّار"، وهذا الإسم "جلنّار" هو تعريب، مثلما تُشير المصادر، للكلمة الفارسية "كلنار"، وتعني بلغتنا العربية "ورد الرمان أو زهرة الرمان"، تبدأ الزهرة تتفتح مع إطلالة فصل الصيف، فتتزين بها حدائق منازلنا وتبتهج بها أراضي بساتيننا، ولهذا نجد الكثير من الاباء يتباهون بإطلاق إسم "جلنّار" على بناتهم نظرا لما يتصف من جمال اللفظ وسلاسة النطق، ليعبّر عن جمال المحيّا لفلذات أكبادهم.

تاريخيا، تذكر المصادر إن الرمان كان يمثل الحياة والتكاثر والزواج في الحضارة اليونانية القديمة, وقد دخلت حكاياته وفوائده الخارقة في الكثير من الأساطير اليونانية، فقد أطلق عليه اليونانيون القدماء "فاكهة الميت"، نظرا لأن المُحتضر عادة ما يطلب ثمرة الرمان باعتبارها رمز للحياة. وفي مصر، فقد وجد المصريون شجرة الرمان "مرسومة على جدران مقابر تل العمارنة في عهد إخناتون"، ويرى أن "أحد ملوك الفراعنة ويدعى (تحوتمس) أحضر معه الرمان إلى مصر من آسيا، كما غُرست أشجار الرمان في حدائق بابل المُعلّقة"، وقد نُقشت رسومات للرمان في جدران وتماثيل المعابد القديمة، وتعتقد بعض الدراسات أن زراعة الرمان أنتقل غرسها  إلى شمال أفريقيا وبلاد الشام وبقية بلدان حوض البحر المتوسط، ويُقال أن العرب نقلوا فسائل الرمان فيما بعد إلى بلاد الأندلس.     

أمّا العرب المسلمون فقد عرفوا ثمار الرمان باعتبارها أحد "فواكه أهل الجنة"، فقد تم ذكرها أكثر من مره في القران الكريم، من بينها الاية رقم ( 68) بسورة الرحمن: "فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ"،  وفي الرمان، يُروى أن الرسول (ص) قال: "ما من رمانة إلا وفيها حّبة من رمان الجنة، فإذا تبدّد منها شئ فخذوه، ما وقعت وما دخلت تلك الحّبة معدة امرئ مسلم إلا أنارتها أربعين صباحا". وفي الأثر العربي، يُذكر أن سيدنا علي رضي الله عنه قال: "كلوا الرمان بشحمه، فإنه دباغ المعدة"، كما تمّت الإشارة إليها في بقية الكتب المقدسة، ففى التوراة يُرمز الرمان إلى "الحرمة والقداسة والخصوبة"، ولذلك فاليهود كانوا يزيّنون "أعمدة هيكل سُليمان وملابس ملوكهم وأحبارهم بالرمان"، وعند المسيحيين، يُعتبر الرمان "رمزاً للبعث والحياة الأبدية"، فهو، أي الرمان، يوجد في نقوشهم المسيحية وتماثيلهم المقدسة كما تم تضمينه في صور "العذراء والطفل"، إضافة إلى إن شجرة الرمان هي التي "كُبّل فيها حيوان وحيد القرن في أسطورة تجسيد المسيح"، كما تحتل شجرة الرمان القداسة عند البوذيين، ففي أسطورة شخصية (هاريتي) اليابانية التي كانت "مُتوحشة وتأكل الأطفال، فقد شُفيت من الشرّ بعدما أعطاها بوذا رمانة لتأكلها"، وقد تم ذكر الرمان في طقوس الديانة "الزرادشتية" التي نشأت وانتشرت عقيدتها في بلاد فارس.

ولشجرة الرمان وثمارها حضورهما المُلفت في أروقة التراث الأدبي العربي، فقد تم ذكرها في الأشعار، وتغّنت بها الشعوب وكان وما يزال لها حضور في أمثالنا الشعبية، والمثل العربي الشائع: "مش ع رمانة، بس القلوب مليانة"، ما يزال يتداول في حالات التقليل بالأسباب الظاهره عند حدوث مُشكلة كبيره، ولم تغب الرمانة عن مساقات أدباء العرب حتى وهم في مهجرهم، فها هو شاعر المهجر والفنان جبران خليل جبران، يتخذ من الرمانة نموذجاً لأحد مساقاته الأدبية، حيث يقول في أحد أعماله المُعربّة: "عشتُ مرة في قلب رمانة، و بينما أنا جالس يوماً في خليتي سمعتُ حبة تقول: سأصير في المستقبل شجرة متعالية تترنم الأرياح بأغصانها و ترقص الشمس على أوراقها و سأكون قوية جميلة على ممّر الفصول. فأجابت حبة ثانية و قالت: ما أجهلك أيتها الرفيقة! فإني كنتُ صغيرة مثلك حلمتُ أحلامك ولكنني بعد أن صرتُ قادرة على تحديد كل شيئ بمقياس ومعيار أدركتُ أن جميع آمالي كانت باطلة. ثم قالت حبة ثالثة: أما أنا فإنّني لا أرى فينا ما ينبئ بمثل هذا المستقبل العظيم .فأجابت حبة رابعة وقالت: إذا لم ترمِ حياتنا الى مستقبل أنبل و أبهى فباطلة هي. فوقفت إذ ذاك حبة خامسة وقالت: ما بالنا نتجادل فيما سيؤول إليه أمرنا في المستقبل في حين أننا لا نعرف ما نحنُ عليه اليوم. فقالت حبة سادسة: إنّنا سنظل على ما نحن عليه الآن. فأجابتها حبة سابعة قائلة: إن في ذهني صورة واضحة للمستقبل و لكنني لا أستطيع أن أرسمها بالالفاظ .ثم تكلمت حبة ثامنة و تاسعة و عاشرة و حبوب كثيرة حتى تكلّم الجميع، فلم أفهم شيئا لوفرة الأصوات وبلبلتها، فتركتُ الرمانة في ذلك اليوم، وأتيت فسكنتُ في سفرجلة "فاكهة تشبه التفاح" حيث لا يوجد إلا قليل من الحبوب تعيش بصمت و سكون".

وفي روايته الشهيرة "وحدها شجرة الرمان"، تتحوّل شجرة الرمان عند الشاعر والروائي العراقي سنان أنطون بصورها "الفنتازية" إلى رمز للموت والحياة، لأن حبيبات ثمارها لذيذة ألا أن بطل الرواية يرفض تناوله "لامتلائه بالموت"،  فشجرة الرمان في هذه الرواية كانت ترتوي من مياه حوض لغسل الموتى، وهي رواية تصف مأساة العراق والموت الذي يلتهم قلب بغداد "المُحتلة"، فالحياة عند بطل الرواية "رائعة" لكنه الان لا يتمتّع بها، "فكل روعة صارت كثمرة الرمان مليئة بالموت والحزن"، وهو بهذا حال لسانه يقول: أن على الانسان أن يتحوّل إلى شجرة رمان كي يستطيع الاستمرار في الحياة، وأن عليه القيام بقرار "فلسفي" لتحويل ماسيها وأحزانها والامها إلى بهجه. يذكر في نص الرواية عن شجرة الرمان هذه التي تروى بمياه غسيل الموتى: "نظرت إلى تُربتها الغامقة المبلّلة بماء الغسل الذي كانت قد شربته للتو، عجيبة هذه الشجرة، تشرب ماء الموت منذ عقود لكنّها تظل تورق كل ربيع وتزهر وتثمر، ألهذا كان أبي يحبها كثيراً؟ كان يقول بأن في كل رمانة حبة من حبات الجنة، لكن الجنة بل الجنات كلها دائما هناك في مكان اخر، والجحيم كله هنا، ويكبر يوماً بعد يوم، جذور شجرة الرمان هذه مثلي هنا في أعماق الجحيم"، ويستطرد مُتسائلاً "يا ترى هل تبوح الجذور بكل شيء للاغصان ام انها تخبيء عنها ما يوجع، ترتفع اغصانها وتبدو حين تداعبها الريح كأنها تحاول ان ترفرف لتطير لكنها شجرة قدرها أن تكون شجرة وأن تكون هنا؟“. 

وعندما نسترسل في البحث عن جلنار والرمانه من بين أرفف الادب العربي، نعثر على قصيدة للشاعرة المغربية فوزية أمين التي تستشعر في ديوانها "وعود الجلنار":

عصفورة غجرية يغشاها الحنين

تعيش في بستان الحواس

وبخيط من ندى

تروض الجلنار على رقصة زهرية

واسترسالاً لأهميتها الثقافية في الوسط العربي، فأننا ما نزال نردّد بين الفينة والفينة طرباً أغنية "هيلا يارمانه، الحلوه زعلانه، مين يراضيها..."، أحد أعذب الأغاني التي ذاع صيتها في مختلف المدن العربية خلال الفترة الذهبية للأغنية الكويتية، كما لا نزال نستحضر الفنانة اللبنانية القديرة فيروز وهي تشدو طرباً بصوتها الملائكي بأغنية "البنت الشلبّيه" التي تقول في أحد مقاطعها:

"بتطل بتلوح، و القلب مجروح

و أيام عالبال .. بتعن و تروح

تحت الرمانة .. حبي حاكاني

و سمعني غناني يا عيوني، وتغزّل فيّا"

صحيّاً، فقد وُصف الرمان في الطب القديم في أكثر من موضع، فقد استخدمه المصريين القدماء في الطب، بعدما عرفوا "فاعليته في مكافحة الديدان المعوية منذ أكثر من 4 آلاف سنة، واستعملت قشور جذوره في مكافحة الدودة الشريطية"، وفي الطب النبوي ما أشار إليه الفقيه والعالم إبن القيم الذي دوّن بأن "الرمان مقو للمعدة، نافع للحلق والصدر والرئة، ماؤه ملّين للبطن، وله خاصيّة عجيبة: إذا أكل بالخبز يمنعه من الفساد في المعدة ...". وتذكر مصادر الطب القديم أن قشرة الرمان تحتوى على مواد طبية "قابضة للإسهال وموقفّة للنزيف، وعصير الرمان مُضادّ للتقيؤّ ويحدّ من الام السعال، والمادة الغذائية للرمان تساهم في تأمين توازن ضغط الدم وخفض منسوب الدهون، والتقليل من الكلوسترول وأمرض القلب وتصلّب الشرايين، ويمنع هشاشة العظام وهو أيضا فاتحاً للشهية". وفي كتب الطب القديم يؤكد العالم النباتي الصيدلاني إبن البيطار الذي كتب واصفاً فوائد زهر الرمان "جلنار" في علاج بعض الأمراض: “أزهار الرمان تشد اللثة، وتضمد الجراح، والتمضمض بطبيخ الازهار يقطع نزيف اللثة الدامية".  الدراسات الطبيه الحديثة تؤكد على الفوائد الصحية الجمّة للرمان، فالدراسات البحثية تشير إلى أن الرمان تختلف ميزاته وخصائصه باختلاف أنواعه، فالنوع الحلو منه يحتوي على "حمض الليمون بنسبة 1%، والسكر بنسبة 7%، والبروتينات بنسبة 1%، وألياف بنسبة 2% ورماد بنسبة 4.7%، ودسم بنسبة 3% وماء بنسبة 81.3% وفيه مقادير ضئيلة من الأملاح المعدنية وخاصة الحديد، وفيتامين (ج)"، والدراسات التخصصية تفيد بأن الرمان يسخدم في صناعة المكونات الغذائية، ومُستحضرات التجميل ودباغة الجلود وصناعة السجاد.

على المستوى الوطني، تتوافر أشجار الرمان بكثرة في مختلف أرجاء السلطنة، ألا أن زراعتها ترتكز في قرى نيابة الجبل الأخضر بمحافظة الداخلية، وتشير الاحصائيات إلى أن هناك ما يزيد على 27000 شجرة رمان، يصل إجمالي إنتاجها ما يقرب من 645 طناً من ثمار الرمان بالجبل سنوياً، تتنوع جودتها بين الحامض والحلو والملاسي والقصم، وتتباين أحجامها بين المتوسط والكبير، وتبلغ القيمة التسويقية لمحصول الرمان ما يقرب من 2,5 مليون ريال سنوياً، وهو ما يمثّل أحد المصادر الرئيسية لدخل المواطن بهذه المنطقة الاستثنائية. 

في دراسته العلمية، يذكر الدكتور "لينوس أوبارا (Dr. Linus Opara ) أنه بالرغم من انتشار زراعة الرمان في العديد من أقطار العالم إلا أن الادب العالمي قد أقرّ بالجودة العالية لنوعية الرمان العماني، ومن أهم الادباء الذين أشاروا لذلك المُستكشف تشارلز بيكرينج (Charles Pickering) الذي قام برحلة جاب فيها العالم درس خلالها الجنس البشري وثقافاته وأنظمة الانتاج الزراعي والحيواني، ذكر في أحد مؤلفاته " أن الرمان المنتج في مسقط يعتبر من النوعية ذات الجودة العالية جدا" وذكر في الثقافات القديمة أن الرمان العُماني كان يصدّر إلى بلاد الهند وهذا دليل قاطع على ازدهار البستنة وإنتاج الرمان منذ القدم في عمان، وتنوّه نتائج الدراسة إلى أن "رمان الجبل الأخضر يحوي كميات من المركبّات الصحيّة تُضاهي تلك الموجودة في فاكهة الرمان المستوردة"، وأظهر البحث أن الرمان المنتج بالجبل الاخضر "ذو جودة عالية وذو فائدة طيبة وصحية هامّه".

وفي السلطنة، يبدو أيضاً أن شجرة الرمان تثبت أهمية حضورها في أحد أهم الرموز الدينية والثقافية بالسلطنة، حيث تشير الدراسة الانفة الذكر أن السجادة العملاقة التي تكسو أرضية جامع السلطان قابوس الأكبر التي تُغطي مساحة 4263 متراً مربعاً تتألف من 1700 مليون عقدة وتزن 21 طناً قد "نُقشت في أجزاء كثيرة منها بصبغات مصنوعة أو مُشتقة من فاكهة الرمّان"، وهذا يُعطي دلالة أخرى كبيرة لأهمية هذه الشجرة وثمارها والتصاقها بثقافة عقيدتنا الإسلامية.

الحقيقة "المُرّه" التي تُزعجنا عند الحديث عن ثمار أشجار الرمان بالجبل الأخضر هي إصابتها بافة «فراشة الرمان»، وهي افة زراعية  تُعرّضّها لهجوم مُباغت من "الحشرات المترممّة والفطريات والبكتيريا"، ومنذ بروز هذه الآفة في تسعينيات القرن المنصرم، والجهات المختصة ممثلة بوزارة الزراعة والثروة السمكية تتبنّي برنامجاً خاصاً لمكافحتها "ميكانيكيا وكيميائيا"  بواسطة استخدام المبيدات الآمنة صحيا، إضافة إلى انتهاج طرق "المكافحة الحيوية" التي ترتكز على  برنامج متخصص في  "تربية وإكثار وإطلاق طفيليات الترايكوجراما" التي تقضى على الآفة في طور البيض قبل الفقس إلى اليرقات وإحداث الضرر للثمار، وبالرغم من أن جميع هذه الجهود التي تبذلها الوزارة بالتعاون مع الجمعية العمانية لمزارعي أشجار الرمان التي تأسست لاحقاً في عام 2014م تلاقي تقديراً منقطع النظير من قبل المستفيدين منها بنيابة جبل الأخضر، ألا أنها لم تتمكن بعد من القضاء نهائياً على هذه الافة المُزعجة. 

لا يسعنا هنا إلا أن نوجّه تحية شكر وعرفان بالجميل لجميع الجهود التي تبذل لتذليل كافة المعوقات التي تعترض مزارعي أشجار الرمان، بواسطة تبنّي التكنولوجيا الحديثة وتعزيز الوعي بإتباع العلميات الزراعية المثلى، والتشجيع على استخدام المًبيدات الصديقة للبيئة، وتطبيق أساليب الريّ الحديثة، وهي جهود لا بدّ من أن تأتي بثمارها في قادم الوقت بمشيئة الله.    

يبقى القول، مع إطلالة كل صيف، تبدأ "جلنّار" بالتفتّح، فتستعيد رونق دورة حياتها بعد سباتها لأشهر، غابات أشجار الرمان تتدّلى منها ثمارها الحمراء اليانعة، وهي بهذا كمن يدعونا للتطلع إلى التأملّ في الطبيعة، والاهتمام بمنتجها، ومن يحالفه الحظ بزيارة الجبل الاخضر خلال هذه الأيام سيحظى بالتمتع بمناظر بانورامية لغابات هذه الشجره المُزدهرة منها والمثمرة، وسيستمتع، كما استمتعنا في سابق الوقت، بضيافة أبناء الجبل ممن يتصفون بالودّ وبكرم الضيافة، ليتقاسم معهم بعضاً من مذاق لالئ ثمار هذه الفاكهة التي تقدّسها مختلف الأديان، وينصح بفوائد ثمارها الصحية الأطباء، ويتنشّد بها الأدباء والشُعراء، ويتغنّى بها نجوم الفن والطرب، أما أنا فسأواصل، هذا العام، استئناسي برقصة"جلنّار" في إحدى زوايا بيتي، مُتلهفّاً مشاهدتها ومراقباً لزهورها وهي تتفتح مع شروق فجر كل صباح، علّني أجني أول ثمرة رمان غرستها يداي، قد تعود بذاكرتي عشرات السنوات لم أُجاهر خلالها نفسي قبل غيري بالكثير والكثير من الأحاسيس الناعمة، اليوم، ها أنا ذا أبوحُ بما شعرت وما زلت أشعر به من "محاكاة فيروزية" تجاه مع من كان يتقاسم معي بودّ حبيبات الرمان تحت أغصانها الوارفة الظلال مُتمتماً ما تردّد على لسان الشاعر جمال مُرسي وهو يتغزّلُ في عشيقته "جلنّار":

يا " جُلَّنارُ " و قد ردَّدتُ أغنيةً، للبحر هل ضنَّت الأمواجُ و النَّغَمُ

أرى اليراعةَ جفَّ الحِبرُ في فمِها، و في يمينكِ غنَّى الحبرُ و القلمُ

أنت القصيدةُ و الأشعارُ لو نَطَقَت، قالت : لسيدةِ الأشعارِ نحتكمُ

فلتسكبي النورَ في الأجواءِ يا ألقاً، قد زانَهُ النبلُ و الإيثارُ و الكرمُ


هناك تعليق واحد:

خور الملح موطن الذهب الأبيض

  تدوين: يحيى السلماني مع بداية فصل الصيف التي تمتد من مايو حتى شهر أكتوبر تنشط وتيرة انتاج الملح بالطريقة التقليدية في ولاية قريات. وبنهاية...