الخميس، 24 ديسمبر 2020

إليكم من محميّة القرم الطبيعية

 

تدوين: يحيى السلماني

لا ندري من أين جيئ بفكرة تدشين مشروع سياحة "التجديف" في محمية القرم الطبيعية؟ ومن الذي أيّدها؟ كما لا نعلم من هو "الرابح" الأول من فكرة الإستثمار السياحي لهذا النشاط في هذا الموقع بالذّات؟

ما نعلمه هو أن هذه المحميّة تُصنّف من أوائل المحميات التي تم الإعلان عنها بالسلطنة، ومنذ إنشائها في عام 1975م وهي تواجه الإنتهاك بعد الاخر، ولم تتوقّف هذه الانتهاكات عند حدود  التمدّد الحضري "العشوائي"، فالوحدات السكنية والتجاريّة، والشوارع وأرصفة الخراسانات الإسمنتية والإضاءة المُزعجة تُحيط بحدود المحمية من مختلف زواياها، بل أتي دور "العماله السائبة" التي "تسرح وتمرح" لتستبيح دونما "حسيب أو رقيب" الموارد البحرية "النفيسة" للمحميّة بدون تراخيص رسميّة، ثُم يكتمل مشهد الانتهاكات لهذه المحميّة عندما تتوالى علينا مشاهد دخول وخروج "مُمارسيّ رياضة المشي" في إحرامات المحمية  منذ ساعات شروق الصباح الأولى حتى أوقات الأصيل، ولهذا يأتي منح تصريح رسمي لممارسة نشاط التجديف في مياه المحميّة الضحلة ل"يزيد الطين بلّه"، ويضرب بكل الالتزامات والمبادئ البيئية عرض الحائط، والأدهى من كل ذلك والأمّر أن تتباهى صحافتنا المحلية ومنابر التواصل الاجتماعي بمثل هذه المشاريع التي لم تُدرس بتأن،  فضلاً عن انتقادها، وتسليط الضوء علي اثارها البيئية، ومُحاولة إيصال الرسالة الصائبة لذوي الاختصاص.

لا نتردّد هُنا عن التذكير بأن محميّة القرم الطبيعية  تقع على مساحة إجمالية تبلغ 1045,775 م2 (مليون وخمسة واربعين  ألف وسبعمائة وخمسة وسبعين م2)، وتتجلّى أولى الأهداف من إنشائها حماية غابات أشجار القرم التي تتلعب الدور الأساسي لتوفير الموائل الطبيعية المُناسبة لما يقرب من 27 نوعاً من القشريات، و48 نوعاً من الرخويات، و40 نوعاً من الأسماك، هذا بالإضافة إلى أنواع الروبيان، وسرطانان البحر، والمحاريّات، وهي، أي المحميّة، تأوي لما يزيد عن 194 نوعاً من الطيور المستوطنة والمُهاجرة، خصوصاً تلك القادمة من "أفريقيا وأوروبا"، وحسب البيانات الصادرة عن هيئة البيئة، ينمو في هذه المحميّة "نوع واحد فقط من أشجار القرم (المانجروف)  يطلق عليه "أفيسينا مارينا" (Avicennia marina)، وهو النوع الوحيد الموجود في السلطنة الذي يمكنه التأقلم مع الوضع المُناخي المحلي"، وما يميّز هذه المحميّة، حسب الدراسات الجيولوجية، بأنها تحتوي على منطقة أثرية تّدلّل على قدم ممارسة نشاط الصيد في هذه المنطقة قبل أكثر من 4,000 سنة، ولذالك، لم يكُن مُستغرباً بأن يتم إختيارها وإعلانها في عام 2012م "كأول موقع عُماني ذات أهمية دولية في مواقع رامسار".   

نرى كما يوافقنا الرأي اخرون، أن هذا المشروع السياحي لا يتوافق البتة مع مبادئ التشريعات الخاصّة التي يتضمنها "دليل المحميّات الطبيعية"، وهذا "التواطئ والتهاون" لا يُليق بنا إذا ما أدركنا بأن السلطنة قد صادقت على اتفاقية التنوع الأحيائي (البيولوجي) منذ عام 1994م، ولذلك، فمثل هكذا مشاريع أو أنشطة سيؤدي حتماً إلى فقدان المحميّة لعناصرها الأحيائية الفريدة بالتدريج، وهي ستؤثّر مُستقبلاً في نظرة المنظمات البيئية الإقليمية والدولية علينا. وإذا كان هذا هو وضع محميّة القرم التي لا تبعد سوى بضعة كيلومترات عن مقرّ "هيئة البيئة"، فما هو حال مواقع المحميّات الطبيعية التي تقع على بعد عشرات بل مئات الكيلومترات منها؟.     

إذن لا بدّ من النظر بجدّية في هذا الموضوع بما يتوافق مع أهداف خطط إدارة المحميّة من خلال الالتزام بتنظيم الأنشطة التنموية والترفيهية والسياحية في المناطق المحميّة ليس في منطقة القرم فحسب بل في مختلف محميات السلطنة التي تتناثر في كل شبر من برّ وبحر بلادنا الغالية علينا جميعاً بما يتلائم مع التشريعات البيئية (وطنية ودولية)، كما أصبح الأمر ضرورياً لتشديد دوريّات الرقابة على مداخل ومخارج المحميّة التي تبدو مفتوحة دون حراسة (خصوصاً الجهة المُقابلة للبحر)، وبدلاً من العبث بالموارد الطبيعية والجيولوجية لهذا الموقع الفريد، نتطلّع أن تُستثمر معطيات هذا الموقع خلال المرحلة المُقبلة في مجالات البحث العلمي (البيئي) لتُسهم المحميّة في تعزيز مستويات المعرفة البيئية لا حبّذا فيما يتصل بموارد البيئات البحرية بالسلطنة، هذا ما وجب الإشارة إليه، وللمختصين والمسؤولين عن القطاع واسع النظر.  

الخميس، 17 ديسمبر 2020

وصيّة "كنغه" ووفاء "ثورباس"

 

تدوين: يحيى السلماني

من تسنح له الفرصة لقراءة قصة "النورس والقط الذي علمه الطيران" للأديب التشيلي لويس سبلبيدا يدرك أنها ليست مجرد قصة مثيرة مليئة بالأحداث الساخنة التي تجذب قارئها من سطور صفحاتها الأولى، فهذه الحكاية التي توقظ الطفولة السحرية النائمة، تأتي إيفاءً للوعد الذي قطعه الأديب التشيلي على نفسه حينما وعد أبناءه ذات يوم بأن يكتب لهم قصة تشرح "المعاملة السيئة التي نتعامل بها نحن البشر مع محيطنا ، عندما نُخرّب الطبيعة وبالتالي نُخرّب أنفسنا"

ولم تكن هذه القصة المتميزة بدلالاتها العميقة محاولة من الأديب التشيلي "لأبتكار" دعابة جديدة يخدع بها أبناءه الصغار ليغطّوا في نوم عميق، بل تحمل بين طياتها رسالة إنسانية نبيلة مفادها أولا: أن الحفاظ على بيئتنا البحرية وعناصرها الطبيعية مسؤولية جميع فئات المجتمع، صغارا وكبارا، نساء ورجالا، أما ثاني أهدافها فيتمحور في أن هذه القصة التي تحكى وقائعها بألسنة الحيوانات، وبالتحديد بين حيوانين متناقضين " قط وطائر"، توضّح بشكل جلي إمكانية تحقيق أحد "المعادلات الصعبة" التي لم تتحقق بعد على يد الإنسان الموهوب بنعمتي العقل والحكمه.

تتلخّص أحداث القصة في سقوط أحد طيور النورس "كنغه" في مياه البحر، بعد مشوار طويل من الطيران، بهدف الاستلقاء والتقاط الأنفاس، ألا أنها فوجئت بأن محطة الأسترخاء هذه كانت ممزوجة ببقعة زيت كبيرة فرّغتها أحد بواخر النفط الضخمة التي تقذف بالبحر آلاف الليترات من مادتها الوبائية اللزجة، فالتصق النفط "اللعين" بريش ذيلها، وهو ما قلل من قدرتها على الطيران. توصف الحكاية النورس في هذه الوضعية كالتالي: "راحت تخفق بأجنحتها بيأس، فثقل طبقة النفط لم يكن يسمح لها بالطيران"، وبعد مسافة ليست بطويله ثقلت حركة جناحيها وبطئت سرعة طيرانها، وبهذا لم يطاوعها جناحاها في متابعة الطيران، فسقطت بالقرب من "ثورباس" وهو قط كبير لونه أسود وسمين.

وأثناء احتظارها، وهي تلتقي ب"ثورباس" نعبت النورس متشاكية: " لقد أدركتني موجة سوداء، الوباء الأسود، لعنة البحار، سأموت!!!!" ويحاول في هذه الأثناء "ثورباس" جاهدا أن يهدأ من روعها، ويتعاطف معها محاولا مساعدتها بشتى الطرق والوسائل، بقوله: "إرتاحي قليلا، وسترين كيف ستسترجعين قواك" ، بعد أن تيقنت النورس بأن القط الأسود رغم ضخامته يحمل نوايا حسنه ، سألته عن إمكانية الإيفاء بثلاثة وعود ، فأوصته قائلة: " عدني بأنك لا تأكل البيضة، عدني بأنك ستعتني بها إلى أن يولد الفرخ، وعدني بأنك ستعلمه الطيران"، وفي اللحظة التي تلفظ فيها النورس أنفاسها الأخيرة "تدحرجت بيضة بجانب جسدها المتشرّب بالنفط".

ورغم شدّة حُزنه، حرص القط "ثورباس" على تنفيذ وعد النورس الأم، فاحتضن البيضة بحرص شديد خوفاً عليها من الكسر، واعتنى بها رغم جهلة بالتعامل مع مثل هذا الوضع، حتى لا تلتهمها بقية الحيوانات، وهكذا "راح يغفو تحت أشعة الشمس الدافئة والبيضة المنقطة بالأزرق ملتصقة ببطنه الأسود".

وابتداءً من لحظات احتضان البيضة، ومروراً بتربية الفرخ الجديد وانتهاءً بمعاناة القط السمين "ثورباس" بتعليم النورس "محظوظة" مهمة الطيران، خلال جميع هذه المراحل عاش "ثورباس" أوضاعاً صعبه، تمثّل أولاها في عدم إلمامه بحياة الطيور، أما ثانيها: فشغل القط السمين باله بالتفكير العميق في كيفية الحفاظ على حياة النورس الصغيرة "محظوظه" بعيدة عن أي اعتداءات قد تسبّبه بقية الحيوانات، ففي الأولى، استعان القط السمين بأصدقائه الذين عاونوه في تجميع البيانات الخاصة بحياة الطيور بعد قراءة موسوعة علمية تشرح بالتفصيل حياة الحيوانات، أما طريقته في التغلب على الصعوبة الثانية، فكان "ثورباس" محنكا في كيفية التعامل مع بقية الحيوانات الطامعة في التهام البيضة، فحضانة البيضة لم تكن سهلة، حيث كان في كل صباح  يخبئ البيضة في "أصص النبات"، ونجح "ثورباس" أيضا بتفوق في تتبع التعليمات الفنية، وتعليم النورس الصغير "محظوظة" الطيران بعد عدة محاولات فاشلة، وفي نهاية المطاف تحقق الحلم واستطاعت "محظوظة" الطيران في ليل "هامبورغ" وهي تردد:" أنا أطير ياثورباس، أستطيع الطيران"، عندها بقي "ثورباس" يتأملها ويترقب حركة طيرانها "حتى لم يعرف ما إذا كانت قطرات المطر أم الدموع هي التي تبلل عينيه الصفراوين". إذن وفق "ثورباس" القط النبيل من إداء مهمته، بل تفوق على نفسه بالإيفاء بوعوده الثلاثة التي بدت له مستحيلة في الوهلة الأولى.

بعد هذا العرض المُقتضب لهذه الحكاية المليئة بالتفاصيل، يتبيّن لنا بأن الطيور تأتي في مقدمة الأحياء التي تتأثر مباشرة ببقع النفط، كما تبعث في نفوسنا – باعتبار أننا نعيش بأحد الدول الرئيسة المُصدّرة لهذه الطاقة، ضرورة أخذ الحيطة والحذر من مغبّة تفاقم هذه الظاهرة التي بدأت تدق ناقوس الخطر في سنواتها الأخيرة. تُؤكّد دراسات التحليلات النفطية على أن "نحو خُمس إنتاج العالم من النفط يمرّ عبر مضيق هرمز، فالمُضيق يستوعب من 20 إلى 30 ناقلة نفط يومياً، أي بما يُعادل ناقلة نفط واحدة في كل 6 دقائق مُحمّلة بنحو 40% من النفط المنقول بحراً على مستوى العالم"، ولهذا، يُنبّه تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية إلى أن منطقة الخليج التي تستضيف أكثر من خمسمائة نوع من الطيور، هي من "أكثر مناطق العالم تعرضاً للتلوث" نظراً لتنامي المنشات البحرية وتوسّع موانئ تحميل الناقلات وارتفاع مستوى كثافة حركة النقل البحري للمواد النفطية، فتنتج عن حركة النقل البحري بالخليج "تسرّب حوالي مليوني برميل بترول سنوياً من التصريف الروتيني لماء الصابورة والمواد الملوثة من الناقلات ومن حوالي 800 منصة زيت وغاز، ولا تقتصر مشاكل بيئتنا البحرية على ما تفرغّه شاحنات النفط من سوائل، بل تشهد ممراتنا البحرية تهديدات مباشرة بتعطيل شاحنات النفط عبر مضيقي هرمز وباب المندب، وتلوّح وسائل الإعلام بإعادة سياسات "حروب الناقلات" التي نشبت في منتصف الثمانينات من القرن المنصرم، إذا ما واصلت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها سياسات "خنق" الاقتصاد الإيراني. 

ولو على حساب التكرار، ولكن للأهميّة، فإننا نشير في هذا الشأن إلى أن أكبر كارثة نفط بالتاريخ حدثت عندما غزا العراق الكويت عام 1990م، حيث حُرقت "أكثر من 613 من ابار النفط وانفجرت 67 بئراً أخرى، وقدّرت كمية النفط المحترق بما يعادل 8 مليون برميل ومائة مليون متر مكعب من الغاز"، كما أن التلوث النفطي الناتج عن حرب الخليج "قضى على 52 نوعاً من الطيور"، ناهيك عن تشويه المواقع الترفيهية الواقعة على المسارات  الساحلية للمنطقة.

إن الحديث في هذا الشأن قد يطول إذا ما أفسحنا الفرصة لتفاصيل تتعلق بمسار مضيق باب المندب عبر البحر الأحمر الذي يشهد هو الاخر حركة ملاحية نشطة، حيث يسمح بتمرير ما يقرب من 11% من نفط العالم المحمول بحراً، وقد أظهرت الدراسات البيئية أن "مُعدّلات الزيت في الكيلومتر المربع المسجلة في بيئة البحر الاحمر هي أعلى منها في أي بحر إقليمي اخر"، وتواجه منذ السنتين الأخيرتين تورّط المنشات وسفن ناقلات النفط بتفجيرات ملغومة لها من التأثيرات المباشرة على عناصر بيئتنا البحرية ما لم يُفصح عنه بعد، وها هي الأخبار تتوارد اليوم بشأن غوّاصات للكيان الإسرائيلي تواصل عبورها قناة السويس باتجاه الخليج بتصريح "مصريّ"، إضافة إلى غوّاصة هجومية أمريكية ومدمّرتين تابعتين للبحرية الأمريكية تتجهان في المسار ذاته، بحجّة "ضمان أمن الممرات البحرية بالمنطقة"، لكن من الذي سيتكفّل ضمان حماية موارد بيئاتنا البحرية إن حدث مالم يُحمد عُقباه؟. 

في رأينا، لم تقتصر هذه الحكاية على إشراك أطفالنا الهم البيئي، الذي تعيشه مختلف دول العالم، بل توقظ عند الفئة الناشئة والشابة والمنظمات الرسمية حب الانتماء إلى عالم الطبيعة بعيداً عن التلوث الحضاري والانحطاط البشري، فطريقة سردها للأحداث سلس وشيق، وهي تمنح قراءها فرصة إطلاق العنان ليتخيّلوا حجم الكارثة البيئية "الوباء الأسود" وأثرها على عناصر بيئتنا البحرية الجميلة، كما تؤكّد القصة على ضرورة التضامن والحرص على اتباع مبدأ التعاون ومنهج "العمل الجماعي" الذي دائماً ما يُقرن بالتوفيق مهما كانت ظروف المُهمّه صعبه وقاسية، ويبقى على قُرّاء هذه القصة الرائعة تقصّي رسالتها البيئية العميقة، والتمعّن في مضمونها الإنساني والأخلاقي الذي تحمله بين ثنايا سطورها.  

 

                            

الثلاثاء، 15 ديسمبر 2020

العرب ينفضون أياديهم...!

 

تدوين: يحيى السلماني

تتوالى المشاهد التي تبثّها القنوات الفضائية عن العرب وهم "يُهرولون" إلى قاعات ومنصّات "الصفقات" العلنية، بعد أن انتقلت من مرحلة هلوسة المفاوضات "السريّة" خلال العقود المُنصرمة، ولا يمكن لنا إيجاد وصف يُليق بما نشاهدة إلا أن نصف أنظمتنا العربية "بالمُتراخية"، فمن كانوا يُمثّلون أمامنا رُموزاً للقوميّة العربية، هاهم اليوم "ينفضون" أياديهم من "قضيّة العرب" الأولى، ولم يعد ما يهمّ رؤوس أنظمتنا العربية إلا تأمين جلوسها على كراسي العرش، واستدامة أنظمتها الإستبدادية لأطول مدى ممكن.   

باختصار وبدون مقدمات، فقد "تملّص" قادة العرب من مسؤوليتهم القومية، والتزاماتهم الأخلاقية، بعدما أغرتهم أنظمة الدول المُتحالفة مع الكيان الصهيوني الغاصب بتقديم تسهيلات للحصول على صفقات تسلّح جديدة، ودعم سياسي واقتصادي مرحلي، وهي وعوداً كان المراد منها إبتزاز العرب وإرغامهم على السكوت والتزام الصمت والقبول ب "تهويد" القدس، وخرق كل الاتفاقات التي جاهد الفلسطينيون من أجلها منذ ما يزيد على 70 عاماً، يتجاوز العرب كل ذلك وهم يتغافلون بأن الله "يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار".

الغريب في كل ما يحدث أن وسائل إعلامنا تُهلّل وتُطّبل وكأننا نستبق العالم الاحتفاء بأعياد "الكريسماس" قبل موعدها بأيام،  ويبقى العرب "من ذوي النخوة" الذين لا حول لهم ولا قوة يتباكون نثراً وشعراً، يُندّدون ويشجبون ثم يتداولون ما تغتصّ به خواطرهم عبر منصات التواصل الاجتماعي التي باتت الوحيدة، في ظلّ تزايد وتيرة غلواء السطوة الأمنية، من يوفّر لهم فُسحة من هوامش الحريّة للتعبير عن ما يجول في خواطرهم من كمد وحرقة وما تكتنز به أفئدتهم من غيض وحنق، بعدما أغرقتهم أنظمتهم  "المُستكينة" في  بحور من الخيال، وزجّت بهم في متاهات من الأوهام لعقود من الزمن، الأمر إذن أصبح جليّاً ولا يحتاج إلى "عرّافه" لتوضحه وبهذا، سيبقى الخطاب العربي في محافلنا العربية والدولية بمختلف نبراته ولكناته خطاباً "إنشائياً" لا يُقدّم ولا يؤخّر ولا يؤثّر،ولا نملك هنا إلا أن نصغي مجدداً لوصيّة الأديب والشاعر العربي نزار قبّاني التي نصحنا فيها ب:

إيّاك أن تقرأ حرفاً من كتابات العرب

فحربهم إشاعه، وسيفهم خشب

وعشقهم خيانه، ووعدهم كذب

قطع القول، نجزم بأن العرب يعيشون اليوم في "سديم" فكري وسياسي واجتماعي مُتناقض لا ثوابت له ولا قيم، ما نُشاهده اليوم "أماط اللثام" فأظهر حقائق تم تعتيمها لعقود، ها نحن على أعتاب سنة ميلادية جديدة، لا يفصلنا عنها سوى أيام، تُستعجل فيها عجلة التطبيع، وتُقاد رؤوس أنظمتنا العربية من "أذنيها" مرغومة، وفي ظل هذه الأجواء "الفضائحيّة" يتعاضم غضب الشارع العام، من هنا، لا نستبعد أن تعيش بُلداننا العربية عاماً جديداً يتسمّ بأسوأ مراتب التوتّر السياسي والفوضى الاقتصادية الذي سيقود بالتالي إلى مزيداً من البؤس الاجتماعي، والتدهورين الإنساني والبيئي، ولا نظن أن لدى القادة العرب ما يملكونه من أدوات للتخفيف من حدّة التوتر إلا الاستعانة ، كما عهدناهم دائماً، بخطاباتهم السياسة التي "لا تُسمن ولا تُغني من جوع".

في يوم ما، تغنّى الشاعر العراقي معروف الرصافي المعروف بمواقفه الثورية قائلاً:

لا يخدَعنْك هِتاف القوم بالوطن، فالقوم في السرّ غير القوم في العَلَن

أحْبُولة الدِّين ركَّت من تقادمها، فاعتاض عنها الورى أحبولة الوطن

فما لهم غير صيد المال من غرضٍ، في اليوم والغد والماضي من الزمن

لم يقصدوا الخير بل يستذرعون به، رميًا إلى الشر أو قصدًا إلى الفتن

فإن تهادن قوم فانتظر شغبًا، إذ ليس هدنتهم إلى على دخن

مرّت السنون، والعرب يعتصمون وينتفضون، يشجبون وينددون، يحرقون ويتحارقون، ثم يأتمرون ويتامرون، وهاهم اليوم يُجرّون ويستجيرون، وينفضون أياديهم ممّا كانوا به يتمسكون، وكل عام وأوطاننا بألف خير...! 

   

خور الملح موطن الذهب الأبيض

  تدوين: يحيى السلماني مع بداية فصل الصيف التي تمتد من مايو حتى شهر أكتوبر تنشط وتيرة انتاج الملح بالطريقة التقليدية في ولاية قريات. وبنهاية...