تدوين:
يحيى السلماني
تتوالى
المشاهد التي تبثّها القنوات الفضائية عن العرب وهم "يُهرولون" إلى
قاعات ومنصّات "الصفقات" العلنية، بعد أن انتقلت من مرحلة هلوسة المفاوضات
"السريّة" خلال العقود المُنصرمة، ولا يمكن لنا إيجاد وصف يُليق بما
نشاهدة إلا أن نصف أنظمتنا العربية "بالمُتراخية"، فمن كانوا
يُمثّلون أمامنا رُموزاً للقوميّة العربية، هاهم اليوم "ينفضون" أياديهم من
"قضيّة العرب" الأولى، ولم يعد ما يهمّ رؤوس أنظمتنا العربية إلا تأمين
جلوسها على كراسي العرش، واستدامة أنظمتها الإستبدادية لأطول مدى ممكن.
باختصار
وبدون مقدمات، فقد "تملّص" قادة العرب من مسؤوليتهم القومية،
والتزاماتهم الأخلاقية، بعدما أغرتهم أنظمة الدول المُتحالفة مع الكيان الصهيوني
الغاصب بتقديم تسهيلات للحصول على صفقات تسلّح جديدة، ودعم سياسي واقتصادي مرحلي،
وهي وعوداً كان المراد منها إبتزاز العرب وإرغامهم على السكوت والتزام الصمت
والقبول ب "تهويد" القدس، وخرق كل الاتفاقات التي جاهد الفلسطينيون من أجلها منذ ما يزيد على 70 عاماً، يتجاوز العرب كل ذلك وهم يتغافلون
بأن الله "يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار".
الغريب
في كل ما يحدث أن وسائل إعلامنا تُهلّل وتُطّبل وكأننا نستبق العالم الاحتفاء بأعياد
"الكريسماس" قبل موعدها بأيام،
ويبقى العرب "من ذوي النخوة" الذين لا حول لهم ولا قوة يتباكون
نثراً وشعراً، يُندّدون ويشجبون ثم يتداولون ما تغتصّ به خواطرهم عبر منصات
التواصل الاجتماعي التي باتت الوحيدة، في ظلّ تزايد وتيرة غلواء السطوة الأمنية، من
يوفّر لهم فُسحة من هوامش الحريّة للتعبير عن ما يجول في خواطرهم من كمد وحرقة وما
تكتنز به أفئدتهم من غيض وحنق، بعدما أغرقتهم أنظمتهم "المُستكينة" في بحور
من الخيال، وزجّت بهم في متاهات من الأوهام لعقود من الزمن، الأمر إذن أصبح
جليّاً ولا يحتاج إلى "عرّافه" لتوضحه وبهذا، سيبقى الخطاب العربي في محافلنا
العربية والدولية بمختلف نبراته ولكناته خطاباً "إنشائياً" لا يُقدّم
ولا يؤخّر ولا يؤثّر،ولا نملك هنا إلا أن نصغي مجدداً لوصيّة الأديب والشاعر
العربي نزار قبّاني التي نصحنا فيها ب:
إيّاك
أن تقرأ حرفاً من كتابات العرب
فحربهم
إشاعه، وسيفهم خشب
وعشقهم
خيانه، ووعدهم كذب
قطع
القول، نجزم بأن العرب يعيشون اليوم في "سديم" فكري وسياسي واجتماعي مُتناقض لا ثوابت له
ولا قيم، ما نُشاهده اليوم "أماط اللثام" فأظهر حقائق تم تعتيمها لعقود، ها
نحن على أعتاب سنة ميلادية جديدة، لا يفصلنا عنها سوى أيام، تُستعجل فيها عجلة
التطبيع، وتُقاد رؤوس أنظمتنا العربية من "أذنيها" مرغومة، وفي ظل هذه الأجواء "الفضائحيّة" يتعاضم
غضب الشارع العام، من هنا، لا نستبعد أن تعيش بُلداننا العربية عاماً جديداً يتسمّ
بأسوأ مراتب التوتّر السياسي والفوضى الاقتصادية الذي سيقود بالتالي إلى مزيداً من البؤس الاجتماعي، والتدهورين الإنساني والبيئي، ولا نظن أن لدى
القادة العرب ما يملكونه من أدوات للتخفيف من حدّة التوتر إلا الاستعانة ، كما عهدناهم دائماً، بخطاباتهم
السياسة التي "لا تُسمن ولا تُغني من جوع".
في يوم ما، تغنّى الشاعر العراقي معروف
الرصافي المعروف بمواقفه الثورية قائلاً:
لا
يخدَعنْك هِتاف القوم بالوطن، فالقوم في السرّ غير القوم في العَلَن
أحْبُولة
الدِّين ركَّت من تقادمها، فاعتاض عنها الورى أحبولة الوطن
فما
لهم غير صيد المال من غرضٍ، في اليوم والغد والماضي من الزمن
لم
يقصدوا الخير بل يستذرعون به، رميًا إلى الشر أو قصدًا إلى الفتن
فإن
تهادن قوم فانتظر شغبًا، إذ ليس هدنتهم إلى على دخن
مرّت السنون، والعرب يعتصمون وينتفضون، يشجبون وينددون، يحرقون ويتحارقون، ثم يأتمرون ويتامرون، وهاهم اليوم يُجرّون ويستجيرون، وينفضون أياديهم ممّا كانوا به يتمسكون، وكل عام وأوطاننا بألف خير...!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق